منذ فجر التاريخ، كان دور الإعلام أساسيّاً في توثيق ونقل الأحداث الحربية. إن الإعلام لم يعد مجرد شاهد على الأحداث بل أصبح شريكاً فعّالاً في توجيه مجرياتها وتحديد مسارها. يعمد الإعلام لجعل العالم يشهدُ الأحداث وفقاً للعدسة التي يوجهها ويضيء على جوانب معينة يريد أن يبرزها، فيتعدى دوره من توثيق الوقائع إلى التأثير في الجمهور وتوجيههم.
ولطالما لعِب هذا الدور، ففي ٢٥ نيسان عام ١٨٩٨ هاجمت الولايات المتحدة القوات البحرية الإسبانية في ميناء هافانا في كوبا. وتوالت المعارك في كوبا والفيلبين حتى انتصرت القوات الأميركية.
هذه الحرب شهدت دوراً هاماً لوسائل الإعلام. فلقد قدّمَ صحافيون عدة تقارير مفصلة حول التطورات على الأرض والتي أثرت على تشكيل الرأي العام. وكانت صحيفة The Yellow Press واحدة من الصحف الشهيرة التي لعبت دوراً بارزاً في تسخير الرأي العام لصالح الحرب ويُذكر بأنها نشرت تقارير مستندة على معلومات مشكوك فيها لتضخيم الأحداث بهدف زيادة الدعم للحرب.
إعلام الحروب سلاح لا يقتل ولكنه يشكل القرارات ولقد برز دوره مجدداً في حرب فيتنام التي امتدت من عام ١٩٥٥ إلى عام ١٩٧٥ بين فيتنام الشمالية الداعمة للشيوعية وللاتحاد السوفياتي وفيتنام الجنوبية الداعمة للنظام الرأسمالي والولايات المتحدة.
وانتهت هذه الحرب بعد خروج الولايات المتحدة من فيتنام وانتصار فيتنام الشمالية. خلال الحرب، قدّمَ الإعلام الأميركي تغطية واسعة للحرب، فالتقارير وثّقت الأحداث على الأرض، ما أثّر بالرأي العام الأميركي بشكلٍ كبير، بما تمّ بثهُ على التلفزيون ما زاد ضغوط السلام.
يتجاوز دور الإعلام من أن يكون مجرد وسيلة لنقل الأحداث إلى توجيه الرأي العام من خلال نشر تفاصيل الحروب للمجتمع بأكملهِ، وكشف الجوانب المختلفة للنزاع.
يحاول الإعلام أن يزيدُ نسبة الوعي بالأزمات فيضيء على المعضلات الإنسانية ويعمد إلى نقل قصص المدنيين ونشر معاناتهم لإيصال صوتهم.
يقوم الإعلام على تحفيز المساعدات الإنسانية فيحاول تقديمها للمناطق المتضررة وإيصال الصوت للبلاد الأخرى لمساعدة الضحايا، فما تشهده غزة من أحداثٍ أخيرة جعلت الإعلام كالبندقية السلمية التي تحاول إبعاد المدنيين عن حتفهم وذلك بإيصال الصوت للمجتمع الدوليّ، لعلَّ المساعدات تصل في أقرب وقت ممكن.
التغطية الإعلاميّة للأزمات: كيف تؤثّر في توجيه الرأي العامّ؟
يملك الإعلام وسائل عديدة في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، كتحليل الأحداث بطريقة توجّه الجمهور نحو وجهة نظر معينة، أو يستضيف محللين يكون لهم تأثير كبير على آراء الجمهور. بالإضافة إلى اختيار الكلمات والعبارات وعناوين الأخبار التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على كيفية فهم الجمهور للقصة. ينقسم دور الإعلام إلى إيجابي وسلبي فيهدف أحياناً إلى تغيير الواقع بسبب أجندات مطلوب منه تطبيقها أو بسبب مبادئه الشريفة. فلقد ساهم الإعلام في تشكيل وجهات نظر الشعب المصري حيال ثورة 25 كانون الثاني ٢٠١١ من خلال توثيق المظاهرات التي أثرت في دفع الشعب للمشاركة فيها.
وكانت تغطية الإعلام لكارثة تشرنوبيل النووية التي وقعت في 26 نيسان عام 1986 في أوكرانيا السوفياتية (اليوم أوكرانيا) تأثيرية في توجيه الرأي العام نحو الأمان النووي والأثر البيئي للطاقة النووية. وكان دور الإعلام حاسماً في هذه الحادثة، فلقد قدمت للجمهور تقديرات حول الأثر البيئي والصحي لها. كما أثرت التغطية الإعلامية في توجيه الرأي العام نحو قضايا السلامة النووية والحاجة إلى التدابير الوقائية. كما تمّت تغطية تشرنوبيل بشكل واسع ونقل التقارير الصحفية عن الحادثة إلى جميع أنحاء العالم، ما ساعد في تعريف الناس بالمستوى الكبير للكارثة.
رؤية وأهميّة: كيف يضلّل الإعلام جمهوره؟
"إكذب إكذب حتّى يصدّقك الناس" -جوزيف غوبلز-
يقومُ الإعلام بتضليل جمهوره من خلال نشر تحليلات غير موضوعية أو أخبار مغلوطة من أجلِ التأثير على رأيه وغسل دماغه. فعندما تولّى غوبلز مهمة الإعلام في عهد هتلر كان يؤكد بأنه بفضل الراديو نجح النظام في القضاء على أيّ تمرد. ولقد حرص على ألّا يلتقط الإلمانيون إلّا البثّ الإلماني. قام النازيون بتوجيه تغطية الأخبار لتشجيع آرائهم وتشويه الأحداث بما يتناسب مع أجندتهم. واستخدموا الإعلام لتحسين صورة هتلر والقادة النازيين.
والحرب العراقية في عام 2003 هي واحدة من الأمثلة البارزة على تضليل الإعلام لجمهوره. فتمّ استخدام معلومات مزيفة لدعم حملة الحرب وتزوير معلومات حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق دون وجود أيّ دليل قاطع. وتمّ فرض تحكم صارم على وصول الصحافيين إلى مناطق النزاع، ما قيّد قدرتهم على تغطية الأحداث.
وتبيّن التضليل بعد مجزرة مستشفى المعمداني التي حدثت ضمن معارك طوفان الأقصى بعدما برّأَ الإعلام الغربي إسرائيل واعتبرها ضحية.
الإعلام سيف ذو حدّين بإمكانهِ نقل الحقيقة بقدرِ نشره الأكاذيب، هو ليس سلطة رابعة بل باستطاعته أن يكون سلطة أولى، ولكن هل باستطاعة هذه السلطة تحمّل مسؤوليتها وتوجيه الشعوب نحو ال