تتسارع الأحداث على الأرض في أعتى الحروب التي عرفتها الإنسانية، التي ظنّت لبرهة أنها لن تعود إلى وحشية هيروشيما وخرابها المستدام ليستيقظ العالم على توحّش آلة القتل الصهيوني ومكابرة نتنياهو قبل سقوطه إلى الأبد.
وهم التفوّق العسكري:
ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي يسوّق للرأي العام الداخلي والخارجي وهم التفوق العسكري لقواته في إطار الأدبيات الكلاسيكية للحرب النفسية. لكن هذه السردية تحوّلت إلى رواية كاذبة، وبدأ مواطنوه يستشعرون مجانبتها الحقيقة، بعد توسّع العمليات النوعية للمقاومة واستعراضها ملاحم كبرى وتاريخية، أسقطت هذا الوهم، بعد أن تمكّنت من تنفيذ عمليات إنزال خلف خطوط العدو أكثر من مرة، وبعد أن تمكنت من الدخول إلى عسقلان عبر البحر، خاصّة بعد أن تمكّنت من خلال إعلامها العسكري أن توثق انتصاراتها التاريخية على آليّاته المتطوّرة، بالرغم من الإسناد اللوجيستي من الدول العديدة الداعمة للكيان الدمويّ.
مستقبل نتنياهو:
تفترض مسيرة السياسي أن يترك دائماً مساحة لخطوة نحو الوراء. لكن عقيدة نتنياهو تدفعه كلّ مرة إلى تجنّب العدول عن خططه في إدارة الحرب على المقاومة، لأنه يعتبر ذلك استسلاماً وقبولاً بالأمر الواقع .
في الشارع، تكشف الصحف العبرية تراجع شعبية نتنياهو، في وقت شكّل فيديو الأسيرات الثلاث رصاصة الرحمة التي قد تنهي مسيرته إلى الأبد، بعد أن أكّدن أن قواته لا تبذل أيّ جهد لتحرير الأسرى، وتُواصل تعنّتها في إتمام صفقة تبادل الأسرى وغلق الملف نهائياّ بمعزل عن تواصل الحرب من عدمه.
المؤكد أن أحلام نتنياهو أن يتحوّل إلى زعيم قوميّ أو بطل حرب في المخيال الصهيوني تصطدم اليوم بواقع جديد من حيث تحوّل موازين القوى والحرب الإعلامية وصدقية المقاومة في كلّ ما تنشر. والمؤكد أيضاً أن محاولات نتنياهو لأن يكون زعيماً دموياً كإسحاق رابين أو حتى شارون تصطدم بصمود الفلسطينيين ورفضهم لنكبة جديدة، بالرغم من القصف العنيف لتهجيرهم من غزة وتطرّف نتنياهو في إبادتهم إن اقتضى الأمر.
أفول الكيان الصهيوني:
مما لا شكّ فيه أن كلّ الأرض ستعود يوماً ما لملاكها الأصليين، وأن الفلسطينيين جديرون بحريتهم على أرضهم المسلوبة. لكن هذا الكيان لم يتسنّ له تفكيك المشهد الذي أصبح أكثر تعقيداً.
فالمقاومة في غزة والضفة أصبحت قوة ضغط لتحويل المواجهة إلى أراضي الـ48، وحصر المواجهة في مساحات ضيّقة، بعد أن صارت الاشتباكات المسلّحة لا تهدف إلى فكّ العزلة عن غزة فقط وإنما إلى تحرير المستوطنات وإبعاد المستوطنين إلى مخيمات الداخل. كذلك تعمل صواريخ حزب الله على تكوين جبهة متينة في جنوب لبنان وتحويل الصراع إلى حرب تموز جديدة لم يتعافَ منها الكيان بعد، بينما تلقي إيران بثقلها الاستراتيجي في المنطقة بتلميحها إلى إمكانية دخولها رسمياً الحرب دفاعاً عن مصالحها في المنطقة؛ وهو ما يعني توتراً مستداماً في الشرق الأوسط، وتداعيات ذلك في ظلّ ظهور طوق جديد يحاصر الكيان الصهيوني من كلّ جهة.
كذلك لا تخفي الحرب الروسية - الأوكرانية إنهاك حلف الناتو، وتكلفة دخوله الحرب التي لن يتمكّن من مضاعفتها بمجازفته بالدخول في حرب مع محور المقاومة، خاصّة في ظلّ خسارته لأي دور محوريّ لمصر في المنطقة، حيث يتراوح إلى حدّ هذه الساعة بين المساومة والابتزاز وتغليب مصالح مصر على حساب أمن المنطقة.
من هذا المنطلق، وأكثر من أيّ وقت مضى، وفي ظلّ حالة التخبّط والذهول التي يعيشها الكيان الصهيوني، وفي ظل تعاظم جرائمه على الأراضي المحتلة، يبدو أن أفوله صار أمراً حتمياً لن يطول انتظاره، وسوف يتوقف على انتهاء مغامرة نتنياهو، الذي سوف تعصف به رمال غزة وتنهي طموحه وكيانه من دون رجعة كما دخلوها أوّل مرة بمغامرة طالت لأكثر من سبعين سنة، لتنتهي إلى ملحمة كفاحيّة خالدة، لا بدّ من أن تتناقلها الأجيال، وتحفظ الإنسانية طوباويتها، كي تحفظ الدماء والأرض.