الديمقراطيّة، إحدى القيم الأساسية للأمم المتحدة، تسعى إلى دعمها من خلال تعزيز حقوق الإنسان والتنمية والسلام والأمن . وفي عام 2002، أعلنت لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة مجموعة من المبادئ بوصفها العناصر الأساسية للديمقراطية وأبرزها احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، حرية التعبير والرأي، تهيئة وسائط للإعلام تتّسم بالحرية والاستقلال والتعددية.
وهنا يبرز السؤال الى أيّ مدى تلتزم الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بعناصر الديمقراطية التي أعلنتها؟
لقد كشفت الأحداث الأخيرة في غزة عن تجاوزات سافرة لقيم الديمقراطية التي تنادي بها الأمم المتحدة من خلال التعدّيات السافرة على حقوق الإنسان والتنمية والسلام والأمن التي تسعى الى تعزيزها.
ومن أبرز الانتهاكات لحقوق الانسان وفق ما كشف رئيس المرصد الأورومتوسّطي لحقوق الإنسان رامي عبده عمليات القتل الجماعي المنظم والإبادة الجماعية لسكان غزة واستهداف الأطفال، حيث إنّ عدد الأطفال الذين استشهدوا يمثل 40 في المئة من عدد الضحايا الإجمالي، عمليات التهجير القسري الذي يمارسه الاحتلال من شمال غزة إلى جنوبها، استهداف سبل الحياة الموجودة في قطاع غزة من آبار المياه والمخابز، استهداف المستشفيات بشكل واضح ومتواصل.
من جهة أخرى ظهر التعدّي على حرية الرأي والتعبير بشكل لم يسبق له مثيل، فقد قرّر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان حظر المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني في جميع أنحاء البلاد، ومنعت الشرطة الألمانية التجمّعات والمسيرات المطالبة بوقف آلة القتل الإسرائيلية وإنهاء الحصار إضافة إلى استخدامها القوّة المفرطة والضرب. وحظر ارتداء الكوفية الفلسطينية في المدارس، ومنع أيّ ملصقات ورموز تحمل كتابات مؤيّدة لفلسطين.
أمّا عن تهيئة وسائط للإعلام تتّسم بالحرية والاستقلال والتعدّدية، أسقطت الحرب على غزّة قناع الكذب والخداع لدى وسائل الإعلام الغربي وانحيازهم ضدّ القضايا العربية وخاصّة القضية الفلسطينيّة. ومارست محطّة "سي أن أن" المعروفة أنواعاً عديدة من الكذب والخداع الإعلاميّ وذلك من خلال نشر الأكاذيب والتحريفات في الحرب على غزة، ووقوفها ضدّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه.
من جهة أخرى تمارس "إنستغرام" و"تيك توك" التعتيم الحقيقي من خلال سياسة الحجب الخفي، وهي ممارسة أو حيلة تُستخدم من أجل تقليل رؤية ونطاق محتوى المستخدم دون علمه. وببساطة، يكون المستخدم على غير دراية بأنّ محتواه لا يُعرض لجمهور أوسع، ناهيك عن صعوبة الحصول على المعلومات من الناس في غزة وسط حصار إسرائيل الكامل لسكّانها بسبب انقطاع الكهرباء جرّاء نفاد الوقود لمولّد الطاقة، بعد أن قطعت إسرائيل إمدادات الكهرباء والوقود عن غزة، عدا عن تعليق حسابات صحافيين فلسطينيين ووكالات أنباء على تطبيقَي "إنستغرام" و"تيك توك" ببساطة لتغطياتهم الإخبارية، ولا ننسى استهداف الصحافيين الذين تجاوز عدد الشهداء منهم الـ 47، إضافة الى عشرات المفقودين، وكذلك استهداف عائلاتهم في المجازر التي ترتكبها إسرائيل وبينهم الصحافي وائل الدحدوح الذي فقد زوجته وابنه وابنته.
ونعود إلى سؤالنا من جديد الديمقراطية إلى أين؟ إنّها لا تزيد عن كونها حكم الغوغاء، حيث يمكن لواحد وخمسين في المئة من الشعب استلاب حقوق التسعة والأربعين في المئة الآخرين وفق ما قال الرئيس الثالث للولايات المتّحدة توماس جيفرسون.