لا ابقى في الفراش بعد الساعة السادسة صباحا. الليل ممل وطويل، وملل النهار يبدأ مع ساعات الصباح الأولى, ويطول!
أستفيق كل صباح كما لو أنه علي التحضير للقيام بواجب الحضور في انضباط, واستعداد دائم, الى غرفة التدريس، لكنني لا أعمل، ولا أدرس، وعاطل عن التدريس منذ سنوات!
أكون جاهزا لملاقاة النهار في نشاط يحافظ على معنويات إفتراضية، عساها تبعد الضجر، والكسل، والانتظار الفارغ، عن كاهل أي غياب أو تغيب، عن أي إنجاز، أو إنتاج مفيد!
لست متقاعدا، لأن ساعات التعاقد على مدى سنوات في جامعة محلية سقطت تعويضاتها بحكم قانون جائر،، بعد عودتي من أسفار تدريسية شملت عدة جامعات في دول عربية عديدة، كما أنني لست من الموالين، أو التابعين، أو الخاضعين لأي "زعيم مذهبي"، أو مقام ديني بائس، في مزارع هذا الكيان الحضاري الساقط في قمامات زعامات جاهلة، مستبدة وعاقرة!
الحمد لله أنني من عائلة تاريخها راسخ في قناعة العيش، بعيدا عن السطو والنهب، ورافض مفهوم "الشطارة اللبنانية" التي يتباهى بها اللبنانيون أينما حلوا، دوليا ومحليا، خاصة في القطاعات الحكومية، والإدارية، والأمنية، والتربوية، والصحية، العامة والخاصة!
أحتسي قهوتي الخفيفة بعد تناولي فطور الصباح القروي البلدي البسيط، ثم أتابع نشرات الأخبار على المذياع، ولا أقتني جهاز تلفزة، حتى لا أشاهد الوجوه المشوهة بالخبث، والدهاء، والكذب، والاستغلال الباطني المقيت. أتابع أيضا بعض حوارات البرامج الحياتية، التي غالبا ما تكون فاقدة المضمون، ولا تتعدى عن كونها ثرثرات، وأسواق عكاظ من النكد، وبث الحقد في النفوس المطمئنة البريئة!
أخرج قبيل الظهيرة الى الطريق العام مشيا، نحو غرفة في حديقة قريبة الى المنزل، أمضي فيها ساعات طوال من الوحدة، بعد ري بضعة مزروعات في مساحة ترابية صغيرة، تحتوي على البقدونس، والنعناع، والسلق، والفاصوليا العريضة، وبعضة شجيرات قروية تقليدية، تنمو على سماد عضوي متوفر في البلدة!
يمضي معظم النهار دون أن أنطق بكلمة واحدة، سوى بضعة كلمات من الترحيب الصباحي ببعض القطط الهادئة الزائرة!
لا يوجد في البلدة ملتقى يسمح لأمثالي الذهاب إليه ولقاء بني جلدتي، بل أعود ثانية الى المنزل. لا اقود السيارة الى مقهى في بلدة مجاورة، كما كانت عادتي اليومية في السابق، درءا لاستهلاك الوقود باهظة الثمن، والتي لا تمكنني سحوباتي الشهرية من المصرف من توفيرها، سوى للحاجات القصوى!
أعود إلى المذياع وإلى الإنترنت على الهاتف الجوال، ويضيع ما تبقى من النهار بين قراءة ما تشدني إليه وسائط التواصل الإجتماعي، دون اللجوء إلى "الدردشات الفارغة التافهة" طبعا، وبين تكرار شحن الهاتف على كهرباء المولد الذي تحرق فواتيره المتصاعدة جيوبي الباردة، شهرا بعد شهر!
أتناول طعام العشاء الخفيف قبل أن يغالبني النعاس الجائر، وينال من صحوتي المخدرة على غفلة!
عملت سنوات بل عقودا عديدة متواصلة من أجل توفير الحياة السعيدة والكريمة لي ولافراد عائلتي الإعزاء، واودعت ما استطعت على ادخاره في مصرف، شاء صاحبه أن يسطو على جنى عمري، ويرغمني على تحمل الإذلال والإحتقار من فريق مغارته الرخيصين، ويفرض على حياتي " أسرا إلزاميا" عن بعد، ويشتت جهودي، ومجهودي، في أيام الضياع، والفراغ القاتل! لن يكون ذلك قدري، إنما سوف اقوى على هذا اللص الغادر، بإذنه تعالى!
حسبي إرادتي وثباتي للتخلص من هذا الكابوس الأسود المستدام!