تراني من البعيد، تنظر إلى صفحاتي وتتأمّل كلماتي، وفي قلبها طائر مختبئ لا يراه إلا فؤادي، يرفض الصمت، يأبى الابتعاد عني، ويحدّثني كلّما تاقت روحي لها؛ كلّما شعرت بالظمأ إلى الحياة أغمض عيني، وألقاها، فأتنّهد الصعداء، وأبتسم لأنني محظوظ جداً. ففي حياتي ملاك الروح يرافقني، ولو من الأفق المتنائي، فنور حبّه يصل إلى أعماقي، ويدفئ نفسي بحرارة مشاعره الصادقة المتخفّية خلف صدرها، وتحت عباءة التنكّر لوجودي أمام الناس.
حينما تسنح الفرصة لأطمئن عليها، لمحادثتها ببعض الكلمات، أكون في عيد جميلٍ، سعيد، يلوّن عمري بأيّام فاتنة، ولحظات ساحرة تجعل مهجتي قوية مبتهجة دوماً، وتزدان من الحكمة والإرادة الصلبة. تودّ أن تتنسّك بروحها فتبقيها بعيدة عن كلّ البشر حتّى عنّي أحياناً، خوفاً من ظلم مجتمع قاسٍ لا يرحم؛ تترك طائر مشاعرها يرفرف نحو السماء، هناك في الفضاء بين الغيوم البيضاء يحوم ويغرّد أناشيد حبّها، وحقيقة ما تكتنزه في مشاعرها، فتراقص ذلك الفتى الذي تعشقه في أعماقها، وتغدو صبيّة بعمر المراهقة، تمسك بيده، وتترك نظرات عينيها لتبوح له بأحلام لا يستطيع ثغرها التفوّه بها، ولا تودّ شفاهها النطق بحروف مكبّلة بالقلق والخوف.
من البعيد نلتقي، يخفق قلبانا، نبتسم فتتجلّى أساريرنا بعبارات الفرح الصامتة. نشعر بالأمان وبارتياح يغمر روحنا الواحدة، فنكمل درب العمر بثقة وعزم كبيرين، وثبات على مبادئ حفرناها معاً في أعماقنا، تحت نور شمس الحرية، وبمباركة السماء. بإيمان عظيم لا يتزحزح سرنا على دروب الحياة في العالم.
اليوم، كلّما عطشت النفس أحجّ نحو معبد روحنا، وأطرق باب حبّنا، فتفتح لي لثوانٍ معدودة، فأضمّها بحروفي، وأقبّل كفّ يدها وجبينها، فتغمرني بروحها من دون أن يدري فكرها، ويختلج طائر حبّها مغرّداً لقلبي: أنا هو، وهو أنا. وبصمت مهيب مقدّس نرتوي من رابطنا ما نحتاجه لنبقى على وعدنا... من البعيد تكون إليّ أقرب من أيّ وقت مضى.