من حيث لا ندري، تبدأ الحرب وتتغير كل المعايير. حتى مهمة الصحافي تتغير، من العمل في أمان داخل المكتب للانطلاق إلى الشوارع تحت الرصاص والصواريخ. تصبح الرؤية ضبابية والمعلومات شحيحة، فتبدأ مغامرة المراسل الحربي، ينطلق نحو المجهول دون معرفة مصيره. صراخ، عذاب، دماء، جثث... كل ما كان يتخيّله هذا المراسل في منامه، يراه في صحوه. يصبح عينين تجمعان الحقيقة وقدمين تهربان من الموت. من واجبه نقل الصورة والأحداث إلى المواطنين. لكن أليست الحماية الشخصية أيضاً واجبة؟
المعارك، التفجيرات والحروب، لم تتوقف في بيروت. في كل حرب، يحصد الموت الغادر باقة من الشهداء والإعلاميين، آخرهم وليس أخيرهم الذين استشهدوا خلال تغطيتهم حرب غزة والقصف الإسرائيلي على الجنوب اللبناني. ما أكثر المعارك في لبنان الذي يعتبر من الدول الساخنة! والمراسل الحربي يكون أول الواصلين لتغطية الجبهات والحروب. نقول المراسل الحربي، وليس مجرد مراسل، لأنه منذ انطلاقه إلى الجبهات يكون وضع حياته على كفه إلا إذا التزم بالشروط الواجب اعتمادها. من أبرز هذه الشروط هو العتاد المطلوب منه أن يرتديه: كالطاسة، الدرع المضاد للشظايا، لباس يعرّف عن الصحافي مكتوب عليه كلمة "press"، وغيرها. يقف هذا المراسل على خطوط النار كما يقف المقاتل، محاولاً مع فريق العمل نقل الأحداث. أحياناً يكون اندفاعه قاتلاً، وذلك بسبب عدم معرفته بكيفية التصرف عند التعرض للأزمات، أو عدم قدرته الحفاظ في على سلامته الشخصية. وهذا ما شاهدناه خلال المعارك في الجنوب اللبناني. أخطاء عديدة برزت، أدت إلى خسارة بعض المراسلين حياتهم والبعض كادوا أن يفارقوا الحياة. من هنا، برزت الحاجة إلى تنظيم دورات متخصصة تحمي المراسل عند تغطيته الأحداث في مناطق النزاع.
لا شك في أن المراسل يعرّض حياته للخطر، خصوصاً عندما يكون العدو إسرائيلياً الذي يضرب بعرض الحائط كل القيم المهنية ويوجّه صواريخه باتجاهه مباشرةً. إلا أن، خلال الأحداث الأخيرة، لاحظنا من يقف مكشوفاً حتى من دون حماية خلال عمليات إطلاق النار بحجة نقل الصورة، ولا يمكن تسمية هذا الأمر إلا بالاستعراض القاتل. فهناك مراسل حربي يلتزم بقواعد الخبرة الإعلامية، وهناك من يفترض أن الوقوف على خط النار هو عبارة عن "ستوري" يتباهى بها على مواقع التواصل الإجتماعي. النجومية والتباهي تكلّف، أحياناً، المراسل الحربي حياته. حتى لا يصير المراسل خبراً أسود، يجب أن يكون ملمّاً بالشروط الواجب اعتمادها على الجبهات، ومعرفة جدية الخطر الذي يواجهه. هناك ضرورة لتدريب المراسلين الحربيين وتأهيلهم للميدان، فالتغطية الحربية لها قوانينها كما للحرب قوانينه التي يتم اختراقها اليوم من قبل الأطراف المتحاربة، التي لم تعد تحترم حقوق الإنسان ولا الشروط المدنية والحربية.
بالرغم من ذلك، لا يمكننا إلا أن نقدّر المراسل، على شجاعته وصموده في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية العمياء والحاقدة. كذلك على قدرته في التأقلم مع الظروف القاسية في جبهات القتال المشتعلة براً وبحراً وجواً، من أجل التواصل مع المشاهد الذي يداه في الماء وليستا في النار. بالتالي، منع استهداف الإعلامي ليس بيد أحد، حمايته تكمن فقط بتثقيفه حول سبل الوقاية والاحتياط.
قواعد حماية الصحافيين تبقى حبراً على ورق، فقد تبيّن لنا أن سلامتهم على عاتقهم. تغطية مراسلي الحرب بين المجازفة والمكافأة، جميعهم جازفوا بحياتهم، كانت مكافأة البعض الحفاظ عليها والبعض الآخر خسارتها. مراسلون هدفهم نقل الحقيقة وتثبيت الوقائع، طموحهم العيش، إلا أن الموت سرقهم والعدو غدرهم.