النهار

التهشيم الإستراتيجي وأزمة الخيارات للكيان الصهيونيّ
المصدر: النهار - محمد حسين
التهشيم الإستراتيجي وأزمة الخيارات للكيان الصهيونيّ
يعيش الكيان الصهيوني في أسوأ مراحله منذ قيامه عام ١٩٤٨، فالمعركة المتواصلة في قطاع غزة أحدثت تهشيماً إستراتيجيّاً لكافة منظوماته
A+   A-
بعد عملية السابع من أكتوبر النوعية ضد الكيان الصهيوني، والتي ضربت بالعمق كافة مؤسساته الأمنية، والعسكرية، والسياسية، ومراكز أبحاثه المختلفة، وفتحت الصراع على مصراعيه (صراع الوجود) قام الكيان الصهيوني بحرب تدميرية غير مسبوقة في تاريخ الحروب، من حيث التدمير والمجازر الدموية المرتكبة بحقّ الشعب الفلسطيني، من أجل استرداد هيبة الجيش الصهيوني (الذي لا يقهر)، الذي أعلن عن أهداف عدّة لهذه الحرب التي أسماها (السيوف الحديدية) بعد تسعين يوماً من المعارك الطاحنة، لم يستطع هذا الكيان تحقيق أيّاً من أهدافه (القضاء على المقاومة الفلسطينية، تحرير الأسرى، إعادة السيطرة الأمنية على قطاع غزة). والهدف غير المعلن تهجير الشعب الفلسطيني رغم أنّ بعض وزراء حكومة الكيان يعلنون هذا الهدف، إن هذا الكيان رغم كل آلة القتل والتدمير والمجازر أصبح يعيش أزمة خيارات حقيقية في غزة فإعادة احتلال غزة تعني تحمله مسؤولية مليوني ونيف من الشعب الفلسطيني بكل مناحي الحياة، وإنهاء الخيار السياسي الهشّ المتمثل بدولة فلسطينية على حدود العام ٦٧، فلا يمكن أن تقام دولة فلسطينية بدون غزة حسب قرارات الشرعية الدولية، وباحتلال غزة وإعادة السيطرة عليها يكون الكيان الصهيوني قد أنهى العملية السياسية بشكل رسميّ، وهذا ما لا ترغب به الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية والعالم أجمع. الخيار الآخر الاحتفاظ بشريط أمني على الحدود في عمق قطاع غزة يعني تواصل ضربات المقاومة الفلسطينية واستنزاف يومي لا يستطيع الكيان تحمّله، الانسحاب الكامل يعني الهزيمة الكاملة ويبدأ العدّ التنازلي لهذا الكيان الذي قال مؤسس الكيان بن غوريون (إسرائيل لا تحتمل أيّ هزيمة حتى لو كانت صغيرة). الكيان الصهيوني يبحث عن نصف نصر عبر حليفة الأميركي صاحب المشاريع الناعمة والمشبوهة، لذلك كثر الحديث عن وجود قوّات عربية ودولية أو وجود للسلطة الفلسطينية، أو إدارة محلية فلسطينية. كلّ هذه الخيارات صعبة التحقّق مع وجود المقاومة الفلسطينية ورفض الشعب الفلسطيني لها، بعد شهر من المعركة كانت الولايات المتحدة الأميركية تصرّ على سؤال لقادة الكيان "ماذا بعد الحرب؟ وكان الجواب الهروب". اليوم وبعد تسعين يوماً، لأوّل مرة يجتمع الكابينت للحديث عن غزة ما بعد الحرب، وقد تفجّر الاجتماع في بدايته نتيجة أزمة الخيارات والخلافات العميقة بين المؤسسات الأمنية والعسكرية والسياسية.
دلالات تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
يعيش الكيان الصهيوني في أسوأ مراحله منذ قيامه عام ١٩٤٨، فالمعركة المتواصلة في قطاع غزة أحدثت تهشيماً إستراتيجيّاً لكافة منظوماته لن يستطيع الحدّ من تداعياتها التي تهدد مستقبله. إن عملية القتل والتدمير الممنهج لقطاع غزة لن ترمم هذا التهشيم الإستراتيجي وهو يدرك ذلك جيداً، لقد أسقطت عملية طوفان الأقصى فكرة البقاء لديه من خلال:
أولاً: تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي، هذا التحطيم الذي لا يزال متواصلاً على يد المقاومة الفلسطينية، هذا (الجيش الأسطورة) الذي أخاف غالبية النظام الرسمي العربي وبعض الفلسطينيين، حتى وصل الخوف إلى أفكار جزء من النخب العربية وجزء من الشعوب العربية.
ثانياً: إن تحطيم هذه الأسطورة تعني فقدان الثقة المتعالية من المجتمع الإسرائيلي الذي كان يعتقد أنّ لديه جيشاً قويّاً يستطيع ليس هزيمة الفلسطينيين فحسب بل هزيمة العرب أيضاً، وأنّه يستطيع أن يحقّق له الأمن المطلق. سقوط هذه الأسطورة لدى المجتمع الإسرائيلي تعني أنّ عليه التفكير بمغادرة هذه الأرض التي لا يتوفر فيها الأمان المطلق كما كان يعتقد.
ثالثاً: إن تحطيم الأسطورة تعني فقدان ثقة الحلفاء (أميركا والغرب) بقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضدّ أيّ اعتداء خارجيّ، وبالتالي سيصبح هذا الحليف والشريك والقاعدة المتقدمة لهم في المنطقة العربية مثار شكّ في قدرتها على البقاء.
رابعاً: على مستوى المؤسسة الأمنية فأجهزة الأمن الإسرائيلية كانت مثار إعجاب المجتمع الإسرائيلي وحلفاء إسرائيل ومثار رعب للعديد من الدول التي كانت تخشى من عملياتها وقدرتها على الوصول لأيّ من الأهداف التي تريدها، عملية طوفان الأقصى وجّهت لها ضربة قاسمة ومرّغت أنفها في التراب أمام المجتمع الإسرائيلي وأمام العالم كله، ليخرج الناطق باسم الخارجية الأميركية ويقول: لا نعرف ماذا حصل وكيف حصل وكيف استطاع الفلسطينيون تجاوز كل المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية)، لقد أصبحت هذه المؤسسة مثار سخرية كافة المحللين الإستراتيجيين في العالم. حتى مراكز أبحاثهم الأمنية التي كانت تشكّل مرجعية للعديد من مراكز الأبحاث العالمية والعربية والفلسطينية أصيبت بالصدع. إن فكرة البقاء أصبحت على المحكّ بالمعنى الإستراتيجي لهذا الكيان في المدى المتوسط والبعيد، في مقابل هذا الانتصار الإستراتيجي الذي حققته المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى ستحاول إسرائيل ومن خلفها أميركا والغرب عبر عملية التدمير الشامل الذي تقوم به إسرائيل لقطاع غزة وقتل آلاف المدنيين العزّل وضع المقاومة الفلسطينية في زاوية (الندم) لما قامت به، وإسقاط فكرة المقاومة التي يؤمن بها الشعب الفلسطيني والعربي لاسترداد حقوقه المشروعة. إن إسرائيل ستقاتل من أجل فكرة البقاء وترميم التحطيم الذي أصابها من خلال إنجاز انتصار نوعي على قوى المقاومة في غزة، لكنّ مؤشرات الميدان تقول أن المقاومة والشعب الفلسطيني سيواجه وسيصمد وسيتمسك بفكرة إمكانية هزيمة الاحتلال الصهيوني عبر المقاومة، القتال الآن بعد عملية طوفان الأقصى بالمعنى الإستراتيجي يدور حول الفكرة مَنْ يسقط فكرة مَنْ، الاحتلال أم المقاومة؟ إذا خرجت المقاومة الفلسطينية من هذه المعركة سليمة فإن إسرائيل ستدخل بكلّ تأكيد العدّ التنازلي لوجودها.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium