لعبت الحرب الأهليّة اللبنانيّة دورًا في تشويه مبادئ الفكر الحزبي المنهجي الذي أرسى قواعده المؤسسون الأوائل، ليحول قادة ميليشيات الحرب العمل الحزبي المرتبط بمفاهيم الدولة باتجاه ممارسة بلطجة ميليشيات سيطرت على مقومات الدولة الاقتصاديّة على مختلف المستويات ودمرت مقوماتها.
رفض تيار المستقبل خوض غمار الانتخابات النيابيّة الأخيرة وفضل الخروج من اللعبة السياسيّة لأسباب مختلفة. الطبيعة تأبى الفراغ، فإذا لم يمتلئ الفراغ السياسي بالأفكار النيّرة عشعشت فيه الأوهام والعجز وتطلعات التبعيّة الرخيصة وصولًا الى الانضمام وتعزيز دور من تسبب بضياع بلدنا. فلا خيار أمام أصحاب الإرادة والرؤيّة الوطنيّة سوى سلوك درب النبهاء من أصحاب الإرادة والرؤية.
هذه العوامل وغيرها من القناعات الوطنيّة دفعت للمضي بفكرة "حزب الوسط" على مبدأ ديمقراطيّة المعرفة والمشاركة لتتلاقي مع الكيانيّة الفرديّة والاجتماعيّة والوطنيّة اللبنانيّة، عند من يرفض الاستسلام ويؤمن باستعادة وطنه وبناء دولة على قياس مصالح المواطنين في هذه المرحلة التي تهدد الكيان اللبناني والمنطقة.
تهدف أيديولوجية "حزب الوسط" إلى تحقيق توازن وسطي بين مختلف المصالح والتيارات السياسية يمين، يسار، ليبرالي، اشتراكي، قومي، حركات دينيّة و... لتحقيق جهة وسطى تسعى إلى توفير حل وسطي للقضايا السياسية والاقتصادية. يتبنى الحزب منطقيّة المبادئ الشاملة Holistic approach والحوار المتواصل كوسيلة لتحقيق التوافق والتقارب بين أفراد المجتمع. يختلف في إيديولجيته ومفاهيمه عن الاتجاهات المتطرفة على الساحة اللبنانيّة والدوليّة. يسعى إلى بناء جسور الحوار بين الأطراف المعنية ركيزتها عناوين بناء دولة المؤسسات الطبيعيّة والخروج من دائرة التبعيّة وسياسة المحاور. يولي اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة المجتمعية والشراكة مع المواطنين في عملية اتخاذ القرار وصنع القيادات.
إن السعي لاستقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية من الأمور الحيوية، لذلك يسعى الحزب إلى تعزيز سياسات تحقيق التنمية المستدامة وضمان إعادة التوازن بين القوى في المجتمع آخذًا في الاعتبار الانتماءات المناطقيّة والطائفيّة بهدف تحقيق تقدم اقتصادي مع المحافظة على توازن اجتماعي فاعل.
يتسم "حزب الوسط" بالتوجه نحو الحوكمة الشمولية، يلتزم بالمبادئ الوسطية على كل الصعد، يسعى لتلعب الطبقة الوسطى دوراً حيوياً في تعزيز الوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع. ويركز على وضع سياسات ومبادرات لتعزيز القوة وضمان الدور الأساسي للطبقة الوسطى في المشهد السياسي والاقتصادي اللبناني.
تتضمن جوانب رئيسية من استراتيجية الحزب تبني سياسات اقتصادية تشجع على الاستثمار وإيجاد وظائف وتعزيز روح ريادة الأعمال والابتكار. من خلال خلق بيئة داعمة لتطوير الأعمال والفرص الاقتصادية، بما يحقق رفع المستوى الاقتصادي، وهذا بدوره يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية أكثر قوة ودينامية.
يدعم الحزب سياسات اجتماعية تعالج احتياجات وتطلعات اللبنانيين. مبادرات التعليم، الرعاية الصحية، توفير المسكن بأسعار معقولة. يضاف إليها تعزيز المواصلات بتكلفة معقولة لتكون هذه الخدمات الأساسيّة من مكونات تعزيز الرفاهية العامة أي غنى المجتمع لتحسين جودة حياة المواطنين.
يؤكد "حزب الوسط" على تعزيز مفهوم المجتمع العادل والمنصف منطلقًا من استيعابه لميثاقيّة مقدمة الدستور اللبناني. يدعو الحزب إلى سياسات تقلل من التفاوت في الدخل وتعزز التطور الاجتماعي المرتبط بالكفاءة والقيم. من خلال هذه السياسات الشاملة في النمو الاقتصادي يطمح الحزب إلى توسيع دائرة الطبقة الوسطى وتمكينها لتكون دافعًا للازدهار والتناغم في المجتمع بأسره.
إذًا الوسطية هي تموضع سياسي متوازن، يرتكز على ممارسة وتعزيز السياسات المعتدلة، بعيدًا عن السياسات المتطرفة ولعبة المحاور المتقابلة والانقسام العمودي في المجتمع اللبناني شرقًا وغربًا. بكلمة أخرى هي خط ثالث يوفر فرص تجاوز تراكمات الصدام القديم والمزمن بين مختلف القوى السياسيّة المرتبطة بالخارج لإرساء فلسفة سياسية جديدة مرتبطة بكيانيّة إنسانيّة ووطنيّة لبنانيّة قيميّة تتلاءم ومدنيّة التنوع الطائفي والمناطقي في لبنان والقدرة على استبدال مفهوم التعصب الطائفي المرتبط بالتبعيّة للخارج بمفهوم القيم الجامعة المتعلقة بكيانيّة الأبعاد الثلاثة وبإعلاء شأن المشروع الوطني، وصولًا للاستثمار بغنى التنوع الطائفي، المناطقي والثقافي للبنانيين المقيمين والمغتربين.
من ناحيّة "القيم الإيمانيّة الوسطية" هي حق وعدل، خير ومَقصد. هي أسمى مظهر حضاري رفيع، فهي أفضل الأمور وأنفعها للناس. جاء في الحديث الشريف "خير الأمور أوسطها"، فالوسطية هي اختيار من الله ومنهج لتحقيق الأمن والسلام بين الأفراد وزرع الثقة والطمأنينة والإحساس بالآخرين وتحقيق التعاون والتكافل بين الأغنياء والفقراء وبين الأكاديميين والعمال، وبين أبناء الدولة المركزيّة والأطراف «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» {البقرة، 143} (مستعد خ.، 2017).
كما أنّ ممارسة الوسطية وتحقيق الأهداف والمواثيق التي أقرتها الأمم المتحدة من شأنهما أن يقضيا على أسباب التطرف النابعة من الحرمان والفقر والقمع وغياب الطبابة والتعليم الملائمين. النهج الوسطي يرتكز على النقد البنّاء ومراجعة الذات من أجل التفاعل بطريقة سليمة مع مصالحنا السياسية والاقتصادية ومع الظروف المحيطة بنا (الاسكوا، 2010) .
أخيرًا نقول إن "موقع لبنان الوسطي" على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ودوره "الوسطي" بين الأمم والثقافات، كان له التأثير الأكبر على دوره التاريخي وعلى كل الحضارات التي انطلقت منه أو عبرت من خلاله، وقد كان لها التأثير الأكبر على مجتمعه وخلقت تاريخًا غنيًا، كان وما زال يؤثر على حاضره ومستقبله (عارف، 2023).
بالمختصر نقول يسعى "حزب الوسط" الى تحقيق مستوى متقدم من الحكم الرشيد في لبنان، يركز على ميثاقيّة مقدمة الدستور لإعادة صياغة سياسات منفتحة على الداخل والخارج وفق نهج متوازن وشامل. يطرح تحديث وتطوير الإدارة، تحقيق سياسة الشمولية الاقتصادية، سياسة التعليم وتكافؤ الفرص، تنفيذ سياسة صحيّة متكاملة وبرامج الرعاية الاجتماعية، تشريعات مكافحة التمييز والتركيز على تشجيع مشاركة المواطن اللبناني من مختلف المناطق في المطالبة بمشروع الدولة وفق معايير ومقاييس وفي اتخاذ القرارات، وبالتالي نحن أمام عمل حزبي حديث وفق مبدأ ديمقراطيّة المعرفة والمشاركة يضع توجهًا فائق الأهمية على مشاركة الأفراد الفعَّالة في تشكيل القرارات والسياسات الجماعية المرتبطة بالشورى لتحل محل آفة الاحتكار السياسي والتبعيّة العمياء للزعامات السياسيّة التقليديّة.