النهار

صرخة وجع مئات المرضى في منازلهم... لا "مورفين" في لبنان!
ليلي جرجس
المصدر: النهار
صرخة وجع مئات المرضى في منازلهم... لا "مورفين" في لبنان!
مريضة سرطان (حسام شبارو).
A+   A-
ما يعيشه مرضى السرطان جريمة موصوفة، لا أدوية سرطانية لمحاربة السرطان، ولا أدوية "مورفين" لتخفيف أوجاعهم. ما يتعرّضون له من عذاب جسدي ونفسي غير مُبرّر، فلا الدولة تتكبّد عناء إيجاد حلّ مستدام لملفّ الأدوية السرطانية، ولا الجسم القضائي يضرب بيد من حديد لمحاسبة المهربين والمسؤولين عن تهريب أدوية السرطان وبيعها في السوق السوداء، ليس فقط اليوم، إنّما الدعاوى مقدّمة منذ سنوات أيضًا. الفساد ينخر القطاع الصحّي والنتيجة حياة المرضى على المحكّ والخبيث يتفشّى أكثر.
 
تعود أزمة انقطاع أدوية المورفين إلى الواجهة من جديد، الصرخة اليوم مضاعفة، فالمريض العاجز عن إيجاد دوائه محرومٌ أيضاً من دواء يخفّف آلامه. الجريمة مضاعفة والنتائج كارثية. نعود إلى الحلقة الضعيفة نفسها، شركة واحدة معنيّة باستيراد هذه الأدوية تنتظر موافقة وزارة الصحة، وحتى الكمية التي توفّرت مؤخّراً في السوق لم تتعدَّ الـ25 علبة من دواء المورفين فيما مئات المرضى يئنّون وجعاً في منازلهم من دون أن يكترث لهم أحد.
 
نحاول التحدّث مع وزارة الصحة لمتابعة حيثيّات هذا الموضوع، إلّا أنّ المسؤولة عن الملفّ لا تردّ على هاتفها رغم تحديد موعد معها.
 
يُشكّل المورفين الملاذ الأخير لمرضى المرحلة الرابعة من مرضهم، وليس لديهم سوى هذه الحبوب لتخفيف وجعهم قبل أن يُسلموا الروح. يواجهون الموت بأقلّ ضرر ممكن، ولكن سُلب حقّ المرضى حتى بموت من دون وجع... وهنا المهزلة الكبرى والإجرام الأكبر!
 
منذ 4 أشهر دوّت صرخة وجع مرضى السرطان بعد انقطاع أدوية المورفين التي تُباع في الصيدليات للتخفيف من آلامهم، وبعد حلحلة الأمور لشهر، عادت الأزمة من جديد واشتدّت أكثر في الأسابيع الماضية بعد انقطاع أدوية المورفين بمختلف العيارات أو توفّر إحداها بكمية محدودة جدّاً.
 
اليوم تتضاعف الصرخة مع مضاعفة الألم والأنين، فما من أحد قادر على إسكات هذا الوجع الذي ينخر أجسامهم الضعيفة التي تقاوم هذا الخبيث. قد تكون صرخة الأديبة والنحاتة كيتي عقل أصدق من يتحدّث عن الألم الذي تحمله في جسدها منذ شهور، تحاول أن تقاوم بكلّ قواها المتبقية، هي التي تحملت كلّ هذا العذاب منذ 10 أشهر، تجد نفسها اليوم خائفة وعاجزة أمام كلّ هذه آلام، لأنّها محرومة من حقّها في الحصول على أدوية "مورفين" تخفّف بعضاً من أوجاعها المبرحة.
 
 
 
تروي كيتي بداية معاناتها لـ"النهار" بالقول: "بدأت رحلة العذاب بعد خضوعي لجراحة في الثدي لاستئصال الورم، لم يلتئم جرحي وبدأ التهاب ينهش جلدي ويزيد سوء حالتي. لم يكن السرطان هو السبب بل خطأ طبيّ نتيجة إهمال طبيب في تعقيم الجرح والتأكّد من صحته ونظافته، بدأت الأمور تزداد تعقيداً وسوءًا إلى أن وصلتُ إلى مرحلة أفظع حيث أكّد الأطبّاء إصابتي بالـ necrose ومن ثمّ بـ small fiber neuropathy."
 
تعرف كيتي جيداً معنى أن تتحمّل هذا الكمّ من الألم من دون أن تنجح كلّ الأدوية والعلاجات المتّبعة في تخفيف حدّته. كان عليها أن تحاول كلّ شيء ولكن كما تقول "لم تخفّف كلّ هذه الأدوية المهدّئة والمسكّنة هذا الوجع الذي يجتاج جسدي، حتّى أنّني أضطرّ في أحيانِ كثيرة إلى الذهاب إلى الطوارئ حتّى أحصل على المورفين عبر المصل لكي أرتاح ولو قليلاً من هذا العذاب".

كيتي على يقين أنّ مرضى السرطان متروكون لله، فلا أحد يسأل عنهم وشركات التأمين تتخلى عن المريض عند معرفة حالته الصحية، أمّا الضمان فعاجز عن تحمّل كلّ تلك التكاليف. برأيها "علينا أن نموت كلّ يوم مئة موتة، أحتاج إلى 30mg من المورفين يومياً ولكن منذ أسبوعين أعاني من عدم إيجاد حبة دواء تخفّف هذا الحمل الثقيل. لا أحد يصدّق إلى أين وصل مريض السرطان في معاناته، نحاول كمرضى سرطان التخفيف عن بعضنا من خلال تأمين أو تبادل أدوية موجودة لدينا، حتى إنّنا نتشارك حبة الدواء لأنّنا نعرف معنى الوجع والذلّ".
 
 
وتُشبّه كيتي مرضى السرطان فيه لبنان "بالمدبوغين" فهم معروفون بالاسم والعمر ونوع السرطان، في وزارة الصحّة، ولكنّهم محرومون في الوقت نفسه من أدنى حقوقهم وهي تأمين أدويتهم لمواجهة السرطان. نحن نقاوم وُنذلّ لتأمين حبّة المورفين، إنّنا معلقون بين الحياة والموت، وما من أحد قادر أن يحصّل حقوقنا. لقد تعرّضتُ لخطأ طبّي وأنا أدفع ثمن ذلك."
 
على صحفتها على "فايسبوك" كتبت كيتي "كيف حالي الآن؟ أشلاء تقاوم وأجزاء انهارت تماماً، ساعدني يا رب".
 
اختصرت كيتي وجع مئات المرضى الذين يتحمّلون عذابات تفوق قدراتهم على التحمّل، بعضهم أسلم الروح متألّمًا لأنّه لم يجد "المورفين" لتخفيف عذاب رحلته، والبعض الآخر يصرخ وحيداً في منزله دون أن تنجح هذه الصرخات من هزّ عرش السلطة وأزلامها.
 
يحارب رئيس جمعية "بربارا نصّار لدعم مرضى السرطان" هاني نصار مع قلائل في وجه الفساد المستشري والظلم الحاصل في القطاع الصحّي، خصوصاً في ملفّ السرطان. يؤكّد لـ"النهار" أنّ مئات المرضى يصرخون في بيوتهم من الوجع لأنّ أدوية المورفين مقطوعة والحالة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. منذ أسبوعين، انقطعت أدوية المورفين من مختلف العيارات من الصيدليات وهي موجودة فقط في المستشفيات حيث يضطرّ بعض المرضى القادرين إلى الحصول عليها رغم كلفة الاستشفاء".
 
 
نحن نتحدّث عن مختلف أدوية المورفين التي تعطى للمريض خصوصاً الذي تكون حالته متقدمة وفي المرحلة الرابعة، وللأسف هذه الأدوية مثل MST 10MG,30,60,100MG، وACTISCENAN 5,10,30MG وOXYCODONE 5,10,20MG وTARGINACT 10,20,40MG وPATCHES (durogesic) كلّها مفقودة وغير متوفّرة في الصيدليات، وبرأي نصار أنّ "الدواء من عيار 100mg وصل بكمية محدودة لا تتعدّى الـ25 علبة ولم يتبقَّ منه شيء، في حين أنّ العيارات الأخرى لم تتوفّر أصلاً. وتنتظر الشركة المستوردة موافقة وزارة الصحّة حتى تستورد كمية جديدة. والمشكلة في هذه الأنواع من الأدوية أنّ استيرادها يستغرق وقتاً أطول مقارنة بالأدوية الأخرى لأنّها مدرجة ضمن الأدوية المخدّرة، في حين يدفع المرضى ثمن هذا التأخّر أو عدم توفّره من عذابات قاسية".
 
أمّا العائق الأكبر يتمثّل في أنّ الوصفة الطبية التي يحصل عليها المريض من طبيبه تحتّم عليه شراء الدواء. على سبيل المثال اذا كان المريض بحاجة إلى دواء من 120 حبة عيار 30mg ووجد في الصيدلية دواءًا مؤلفًا من 60 حبة من عيار 30mg يتعذّر عليه الحصول عليها لأنّها لا تطابق الوصفة الطبية. ويضطرّ إمّا إلى تغيير الوصفة أو البحث في صيدلية أخرى. ولكنّ المبكي اليوم أنّ الأدوية بكلّ عياراتها مقطوعة".




اقرأ في النهار Premium