وقفت أمام مرآة الحمام تتأمّل تفاصيل وجهها الذي نسيته ككلّ شيء تحت وطأة الألزهايمر. كان جلدها أبيض كبياض الثلج، وعروقها الزرقاء تنبض وتبرز تحت رقة بشرتها. شعرت كأنّ يداً تربت على كتفها، وامتدّ ظلّ من الخيال، احتوى بوسعه صغر جسدها؛ هديل يمامة بنيّة جعلها تنتبه لألحان العصافير خلف نافذتها. التفتت لترى قرص الشمس كطفل حديث العهد بربّه، فلمعت له عيناها، وانعكست فيهما الأشجار، فزادت عينيها اخضراراً. ابتسمت كطفل يكتشف العالم لأوّل مرة. نظرت إلى قدمها العارية، وتحسّست السجّادة الفارسيّة، وداعبت بأصابعها وبرها المنخفض، ثم نظرت ثانية في مرآتها، فرأت طيف رجل عاشت معه، وكأن خلايا عقلها مرّت بها شحنة كهربائيّة جعلتها تتذكّر لمحات دقيقة. خرجت إلى غرفتها البهيّة، وتذكّرت المشهد اليوميّ للاستيقاظ على صوت العصافير، وصورة لزوج بحضن دافئ يستعدّ للقيام ببجامته الكشمير، يحجبها جسده العريض أمام المرآة، وهو يرتدي بذلته السوداء وساعة يده، التي أهدتها له في أول عيد زواج لهما منذ ستة وخمسين عاماً، قبل نزولهما لتناول الفطور على صوت إذاعة القرآن الكريم. تتحرّك ببطء، وقد لمعت في عقلها صورة ضبابيّة لأوّل هديّة أهداها لها. فتحت درج زينتها لتجد مشط شعر بنفسجيّ اللون مرصّعاً بأحجار كريمة، تقف عليها فراشات ملوّنة، كتب بالقرب من أسنانه الناعمة "جوهرة". ضحكت كطفلة، واحتوت المشط، وردّدت جوهرة، اسمي "جوهرة".