بعد مُضي أسبوعين على معركة طوفان الأقصى، سأل الرئيس الأميركي زعيم العصابة نتنياهو عن خططه في قطاع غزة لما بعد الحرب، لكنّه لم يتلقَّ جواباً. بعدها، بدأ وزير خارجيته بلينكن زيارات مكوكية إلى الكيان الصهيوني والمنطقة للحصول على إجابةِ "اليوم التالي لغزة". لكن زعيم العصابة نتنياهو أصرّ على تجاهل الأمر، فذهب الوزير بلينكن يبحث ويُجري مقاربات لغزة ما بعد الحرب مع الدول الإقليمية العربية وغير العربية في محاولة منه لرسم خريطة واضحة المعالم، إلا أن هذه الخريطة لم تكتمل بسبب عدم وجود تصور لدى قادة الاحتلال، وإصرار حركة حماس على عدم مناقشة هذا الموضوع مع أي من الأطراف الإقليمية، مكتفية بالقول إن هذا شأن داخليّ يقرّره الشعب الفلسطيني. وبعد مئة يوم على العدوان الدموي الذي يقوده زعيم العصابة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في غزة لم يستطع أن يناقش اليوم التالي في غزة سوى مرة واحدة قبل أيام قليلة في مجلس الكابنيت، وقد تفجّر هذا الاجتماع بسبب الخلافات في وجهات النظر. فزعيم العصابة نتنياهو لا يستطيع مناقشة خيارات غزة ما بعد الحرب بسبب معارضة فردين من العصابة (بن غفير وسموتريش) اللذين يعارضان بشدة مناقشة هذا الملف، لأنهما يعتقدان أن على زعيم العصابة نتنياهو أن يحتلّ قطاع غزة بالكامل، من شماله حتى جنوبه، ودفع قسم من الشعب الفلسطيني خارجه، وإعادة بناء المستوطنات الصهيونية بداخله؛ وبذلك لا حاجة لمناقشة اليوم التالي. زعيم العصابة نتنياهو بسبب خشيته من انهيار الائتلاف مع فردي العصابة "بن غفير وسموتريش"، وتهديدهما مستقبله السياسي بالزوال، لا خيار أمامه سوى إطالة أمد الحرب وتحقيق إنجازات ميدانية (إنهاء الوجود العسكري للمقاومة الفلسطينية، وجلب قياداتها أسرى أو جثثاً واستعادة الأسرى المدنيين والعسكريين الإسرائيليين)، وبالتالي يمكن أن يستقوي على فردي العصابة بهذه الإنجازات التي ستتيح له طرح فكرة اليوم التالي بقوة. لكن معطيات الميدان تشير إلى أن جيش الإجرام الإسرائيلي أصبح عاجزاً عن تنفيذ هذه المهمة، وهو يغرق في رمال غزة المتحرّكة. لذلك أصبحت الخلافات قوية في داخل مجلس الحرب، وبدأت تظهر للسطح بين وزير الدفاع ورئيس الأركان وزعيم العصابة نتنياهو حول الخيارات التي من الممكن تحقيقها، خاصة بعد الخلافات في الرؤى بين نتنياهو والإدارة الأميركية، التي امتدّت إلى أكثر من عاصمة غربية، وبعد ضغط الرأي العام العالمي الذي يطالب بوقف إطلاق نار شامل وفوري، ووصول إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية؛ والأهم من كلّ ما تقدّم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة. كلّ هذه المعطيات تشير بشكل قويّ إلى تقلّص فرص بقاء "الضوء الأخضر" المفتوح لنتنياهو من قبل الإدارة الأميركية والعواصم الغربية، وسيكون مضطراً إلى الموازنة بين خيارات مصالحه الشخصية ومصالح كيانه ومصالح حلفائه؛ فماذا سيختار زعيم العصابة نتنياهو في الأيام المقبلة؟
قد تُجيب الأسابيع المقبلة عن هذا السؤال.
في الجانب الفلسطيني ما تزال الرؤية الواحدة لإدارة المواجهة مع الاحتلال الصهيوني غائبة، وكذلك النظر إلى مستقبل غزة ما بعد وقف العدوان، بالرغم من طرح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مبادرة لتشكيل قيادة طوارئ فلسطينيّة مؤقتة أو قيادة وطنية موحّدة لتمتين الوضع الداخلي الفلسطيني والتصدّي للمؤامرات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية والنيل من إنجازات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني. لكن هذه المبادرة لا تزال حبيسة اللقاءات الثنائية والرباعية، من دون أن تثمر عن أي نتيجة. فحماس تعتقد أن بإمكانها قيادة قطاع غزة كما كانت قبل السابع من أكتوبر، والسلطة الفلسطينية صامتة تنتظر ما ستؤول إليه معركة طوفان الأقصى لتتعامل بعد ذلك مع النتائج.
فهل يعقل بعد مئة يوم من العدوان الصهيوني على غزة أن لا يعقد اجتماع قياديّ فلسطينيّ مقرّر يضمّ حركتي فتح وحماس وفصائل أخرى لمناقشة التحدّيات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته؟
سؤال يطرحه كلّ مواطن فلسطيني برسم القيادات الفلسطينية جميعها.