بعد عملية السابع من أكتوبر النوعية وما ألحقته من خسائر على المستوى الاستراتيجي داخل الكيان الصهيوني، وقرار محكمة الجنايات الدولية الذي وضعه في قفص الاتهام لأول مرة في تاريخه، سارع هذا الكيان إلى الرد الاستراتيجي باتجاهين وهما مكملان لبعضهما البعض، التهجير والأونروا، فعندما فشل في التهجير القسري طرح مسألة التهجير الطوعي ولإنجاح خطة التهجير الطوعي لابد من إنهاء عمل الأونروا التي باتت تقدم خدمات مهمة لكل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذي أصبح مهجراً، ويعلم الكيان جيداً أن هذه الخدمات ستساعد الشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء في أرضه، هذا من جانب ومن جانب آخر بات الكيان الصهيوني وبعض حلفائه في الغرب الاستعماري وعلى رأسهم أميركا، يخشون من رفع دعاوى ضد الكيان على الأعمال التى قام بها في السابق، لذلك يضعون مسألة إزالة الأمثلة الحية على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الكيان وكانت سبباً في نشأته، خصوصاً قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين والوكالة الفعالة الوحيدة المتبقية لهم هي الأونروا.
إن القرارات التي اتخدتها بعض الدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية كانت بتحريض مباشر من الكيان الصهيوني، هدفها بالدرجة الأولى سياسي لإغلاق ملف عودة اللاجئين وفق القرار 194، هذه المحاولة الصهيونية ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن الكيان الصهيوني يعلم جيداً ماذا يعني بقاء هذه المؤسسة بالمعنى السياسي، لذلك كان الرأي الصهيوني استبدال هذه المؤسسة بمؤسسة أخرى تقدم خدمات للشعب الفلسطيني بعيداً عن الصيغة القانونية الأممية التي لها طابع سياسيز
لقد تأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 الصادر في 8 كانون الأول 1949، بهدف تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما خدمات التعليم والصحة، والإغاثة والخدمات العامة، والبنية التحتية وتطوير المخيمات، وتمويل المشاريع الصغيرة والمساعدات في أوقات الطوارئ، قبل عام قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقاً للقرار 74/83 الصادر في 13 كانون الأول 2019، بتمديد تفويض الأونروا حتى عام 2023 وعليه، تسعى الأونروا جاهدة إلى الحصول على الدعم والاعتراف المستمر بقضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين التي بدأت منذ 75 عاماً، والذين بلغ عددهم حتى نهاية العام 2018 نحو 8.7 ملايينن لاجئ ومهجر.
لقد هدف التدخل الإنساني للأونروا إلى لعب دور مكمل لمساعي لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين، والتي تأسست وفقاً للقرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف البحث عن تسوية للقضية الفلسطينية وللترويج لحل دائم لقضية اللاجئين لا سيما العودة الطوعية. إن تعطيل لجنة التوفيق الدولية منذ بداية خمسينيات القرن الماضي ترك اللاجئين الفلسطينيين دون مساع حقيقية وفعالة لإيجاد حل دائم وعادل لمأساتهم. وهو الأمر الذي جعل من وكالة الغوث كبش الفداء الذي يسعى الكيان عبر مهاجمته إلى نزع الشرعية عن وضعية اللاجئين الفلسطينيين المحميين، وعن حقوقهم الأساسية وبالتالي جوهر وجودهم. وأشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن استمرار تفويض الأونروا يعتمد في جوهره على إيجاد حل دائم وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، أي أنه لا يمكن تفكيك وكالة الغوث قبل تحقيق حل عادل وشامل.
ونظراً لعدم امتلاكه لسلطة اتخاذ القرار المتعلق بمصير الأونروا، حرص الكيان على استخدام وممارسة نفوذه السياسي على الدول المانحة للأونروا، حيث قاد حملات تشهير لتشويه الوكالة وعملها بغية إيقاف تمويلها وكان آخرها اتهام بعض موظفي الأونروا بالمشاركة في عملية السابع من أكتوبر النوعية، ويعتبر انسحاب الدول المانحة وتوقفها عن دعم الأونروا في هذه المرحلة الحساسة من أكثر العوامل ضرراً بها، لأن ميزانية الأونروا تعتمد بشكل أساسي على التبرعات الطوعية من الدول، والتي بلغت نحو 95.34% من ميزانيتها في عام 2019. وفي عام 2018، أوقفت الولايات المتحدة الأميركية، والتي تُعتبر أكبر ممول للأونروا بنحو 365 مليون دولار، تمويل الوكالة الدولية. وكنتيجة لحملة التشويه الإسرائيلية- الأميركية، أوقفت كل من هولندا وسويسرا تمويلها للوكالة بشكل دائم في عام 2019.
كما يؤدي وقف تمويل الأونروا إلى إعاقة وتضييق هامش عملها وتقويض تفويضها الضروري للإبقاء على حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى الديار.
لذلك يجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والعمل على دعم وكالة الأونروا، بعيداً عن التسييس والهيمنة الأميركية الصهيونية والسعي إلى إيجاد حل دائم وعادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 الذي يدعو إلى عودتهم إلى بلادهم التي هُجّروا منها.
إن الدول التي أوقفت دعمها للأونروا استجابة للافتراءات الصهيوـ أميركية، عليها مراجعة قرار وقف التمويل خاصة بعد تراجع فرنسا عن قرارها بوقف تمويل الأونروا.