مع الرّحابنة وصوت فيروز الملائكيّ نصلّي من أجل السّلام وانتهاء الحروب.
يا قدس، يا قدس، يا مدينة الصّلاة،…من أجلك أصلّي.
عيوننا إليك ترحل كلّ يوم، تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد.
أحلامنا مبددّة بوهم الذّهاب إلى هناك، والرّكض وراء أحلام وأمنيات، بددّها الظّلم والقدر.
يا لها من خدعة برّاقة بألف بريق وبريق. حين كانت تمطر، كان الوجع يذهب في ذاك الاتّجاه، كنت أخاف أن يذهب بعيداً ويضيع في غمرة الزّحام… حلم أرض لن نطأها يوماً.
يا قدس، باعوك بخمسين ديناراً، واقتسموا ثوبك وبقبلة، قبلة يوضاص…سلّموك.
كلّهم قالوا: لن نسمح بسقوط أو دخول غزّة. لن نسمح بهزيمة حماس.
وسقطت غزّة وهدّمت، وانكفأت خارجها حماس. والآن دور رفح.
وهم يفاوضون، يحاورون، يناوشون، ويناورون.
إسرائيل بدأت حرباً وجوديّة ومصيريّة ولن تتوقف، ولن تتراجع قبل تحقيق أهدافها. لقد بدأت عمليّة اقتحام رفح، آخر معاقل حركة حماس، وهدف العمليّة القضاء على الحركة وتفكيكها، ولن يتراجع نتانياهو قبل تحقيق هذا الهدف. وهو يعي تماماً أن بقاء الحركة ومقاتليها خطر، لأنها ستستعيد قوتها وتعيد تنظيم صفوفها وبنيتها العسكريّة، عبر تهريب الأسلحة عن طريق رفح من الحدود المصريّة وعبر شبكة الأنفاق.
أصبح الوضع محسوماً، والتضحيات البشريّة والمادّية ستكون مرتفعة ومؤلمة لكلا الطّرفين.
إنّ اجتياح رفح أصبح مسألة حياة ووجود أو موت. ولعلّ ضخامة العمليّة، وتهجير مليون ونصف فلسطيني، مع ما سيتبع ذلك من دمار وقصف وضحايا وتهديم، يرسم أكثر من سؤال يتزاحم في أذهاننا. ولا ندري كيف سيتلقّف الغرب والعرب أصداءه وتبعاته ويحملونه على ضخامته!
لقد أبلغت إسرائيل الأميركيين والأوروبيين بجدّية قرارها بدخول رفح وباشرت بالفعل...وستعمل على امتصاص غضب المجتمع الدّولي، وستدفع بالمدنيين الفلسطينيين إلى صحراء سيناء.
واللافت كان تصريح وزير الخارجيّة الإيراني عبد اللهيان من دمشق، وقوله لحلفائه: امتصوا الضّربات وتحمّلوا الخسائر بصمت، إنّنا نفاوض الأميركيين.
أمّا الأميركيون والأوروبيّون فينشطون لاحتواء ذيول تلك العمليّة وامتصاص غضب الشّعوب والمجتمع الدّولي المتحفّظ والمندّد بخجل، ويحرصون على عدم توسيع رقعة الحرب ودخول أطراف جدد.
ما يحدث الآن هو خارج الأضواء؛ فكما تمّ ترسيم الحدود البحريّة جنوباً، تتمّ مفاوضات لترسيم الحدود البرّية هناك. وهذا ما يفسّر عودة هوكشتاين للمنطقة ولبنان.
لقد ضحّوا بغزّة وحركة حماس، والآن دور رفح. فالمفاوضات جارية على قدم وساق، وعلى نار حامية، على وقع هدير الدّبابات والصّواريخ والقذائف، ومن دون أن ننسى مأساة التهجير والتفقير والموت.
وأخيراً وليس آخراً، وسط خرق غير مسبوق لبيئة المقاومة والممانعة في لبنان وسوريا، تتمّم التسوية وسط دخان الصّواريخ وهدير المسيّرات والاستهدافات والتّصفيات لكوادر وقادة الصّف الأوّل، وقادة الميدان التابعين لحزب الله وحركة حماس والحرس الثّوري الإيرانيّ.
لم تكن الحروب يوماً نزهة. وفي رفح سيدفع الطرفان ثمناً باهظاً. تحدّيات جمّة تنتظر نتنياهو وجنوده، الّذين لا يمكنهم وقف القتال من دون تأمين عودة آمنة للمستوطنين إلى مستوطناتهم وبيوتهم في الشّمال، وفي غلاف غزّة، ودون القضاء على حركة حماس وتحرير الرّهائن واستعادة ماء الوجه.
وإلّا فإنهم سيعيشون تحت التهديد والخوف من تكرار سيناريو هجوم السابع من تشرين الأول.
والخوف كل ّ الخوف من توسّع الحرب وتدخّل الأطراف المعنية بالصراع الدّائر في الشرق، والّتي بقيت على الحياد، وفي الظّل، منذ بدأت عملية طوفان الأقصى...
عملية رفح ... بدأت ويا لها من مسرحية...!
قريباً سيموت أبطالها، وتسدل السّتارة على فصل من فصول مؤامرات القادة والحّكام، وعلى وهج جنونهم وأطماعهم الّتي دفعت شعوبهم ثمنها دماً وأرواحاً بريئة وممتلكات وأمناً.
سنشهد بعد ذلك فصولاً وأحداثاً مسرحيّة هزليَة ومبكية أخرى.
تخبزون بالأفراح يا من تحتضنون الحلم والنّصر المنتظر.
يا قدس… يا قدس يا مدينة الصّلاة، يا زهرة المدائن… سامحينا!