عندي مشكلة مع المصالح الحكومية التي تطلب بصمات الأصابع، حتى أحدث الماكينات التي استخدموها مؤخرًا تفشل معي تمامًا...
نفذ صبر الموظفة، وكان نافذًا من الأساس رغم أننا في بداية اليوم، تحدثت إليّ بضيق وبلهجة آمرة طالبة منّي وضع يدي جيدًا على الجهاز، راح يصفر، ويصفر، مرة، اثنان، ثلاثاً، لا شيء. قالت بعصبية "متحركيش إيدك إلّا لما أقول"، امتثلت لأوامرها، صفير، صفير، لم تسجّل بصماتي!! تبدّلت ملامحها من الضيق إلى الدهشة، وقد لانت واكتسبت أخيرًا ملامح إنسانية، قالت برفق هذه المرة "حاولي تثبتي إيدك" رغم أنها كانت ثابتة، أخبرتها بصعوبة أخذ بصماتي، لم تجب، استراحت أخيرًا وقد التقطها الجهاز لا أعلم في أيّ محاولة!!
لا يفلح الأمر كذلك كلما ذهبت لقياس الضغط، يجرب الطبيب كل الأجهزة الحديثة والقديمة، يضرب مواضع النبض على يدي بشدة تؤلمني ليتأكد أنني على قيد الحياة، رغم جلوسي أمامه كائناً طبيعياً حقيقياً، أحدهم قال لي ذات مرة "إنتِ عايشة؟!!".
ربما أنا شبح ولستُ حقيقة من الأساس، لذا لا يراني ولا يسمعني أحد، بالإمكان استدعائي وقت الحاجة، وبعد انقضائها أختفي من قائمة من استدعاني، فلا يكلّف نفسه بعناء كلمة شكر. ومن يؤذيني أو يخطأ في حقّي لا يعتذر لي، يتجاهل الموقف كأنه لم يحدث، تسود فترة صمت بيننا، ثم يعود ويتحدّث كأنّ شيئًا لم يكن، وأنا الأخرى ألتمس الأعذار وأؤثر السلام، وأتعامل بشكل طبيعي، رغم كل الألم الذي يعتصرني.
تُرى هل متُّ من كثرة الألم، فأبدو على قيد الحياة، لكنني بلا بصمات أصابع، بلا نبض، بلا حياة!!
راودتني فكرة مجنونة اليوم بعدما أنهيت الإجراءات الرسمية، بما أنني بلا بصمات يمكنني ارتكاب كل الجرائم ولن يُستدلّ على شخصيتي. فكرت بينما كنت أشتري طعمية في نوع الجريمة التي يمكنني ارتكابها، مثلًا يمكنني الحصول على أربعة أقراص طعمية بدلًا من ثلاثة وقد تركني البائع أمامها بمفردي، ومن الأساس هو يبيعها بسعر مضاعف، فهو يسرقني، بينما سآخذ حقي، لكنني تراجعت واكتفيت بثلاثة، وإن كنت سأرتكب جريمة فلنكن تستحقّ أن أحمل وزرها كما يقول المثل "إن سرقت اسرق جملاً"، لكنّي أحبّ الطعمية أكثر من لحم الجمال.
ماذا عن القتل!! ليس ذلك الذي تقام لصاحبه جنازة، ويدفن في الأرض، فأنا لا أحبّ العنف، وأخاف من مشهد الدماء. ماذا عن قتل النفس!! بالتجاهل، بالأذى النفسي، بالإهمال، بكسر الخاطر والقلب، هذا هو القتل الحقيقي، الذي يترك صاحبه بلا روح ولا حياة، حتى جسده يأكله الحزن، طريقة بشعة ومؤكدة للقضاء على من أمامك، وتحطيمه، وأحيانًا دفعه لقتل نفسه، وهذا ما يطلقون عليه "قتلاً أبيضَ".
لكنني أموت بمجرّد التحدث هكذا، أشعر كأنني أقتل نفسي مع كلّ فكرة، حقًا افتقد بصمات الأصابع ودفقات النبض، لكنّ قلبي ما زال حيًا، أرجو ألّا يقتلوه هو الآخر.