اقترب فصل الربيع، وبدأت خصوبة الأرض، وصحت معها جذور الأعشاب الضارّة من غفوتها الشتويّة، وتعششت حول جذور الأشجار، تسابقها على امتصاص ما تبقّى من بقايا سماد العام السابق، مستغيبة المزارع الذي ينتظر سقوط المطر الذي يُبلّل التراب حتى يسهل له اقتلاع الأعشاب الضارّة من جذورها، ويوزّع السماد المخصب للأشجار خلال فترة فصل النمو المقبلة!
هطلت الأمطار بغزارة مع إطلالة شهر آذار، بعد توقّف جافّ دام طوال الأسبوعين الأخيرين من شهر شباط المنصرم!
هُرع المزارع في اليوم التالي إلى حقله، وأمضى نهاره الطويل في استئصال الأعشاب البرية من جذورها، ثمّ جمعها في فسحة صخريّة حتى تجفّ، حيث عمل على إحراقها لاحقاً، بعد حرق الأرض!
اطمأن المزارع بعد عملية الاستئصال السهلة، وخلوّ تراب أرضه من الجذور الضارّة، فوزّع السماد، الذي استهلك ثمنه الباهظ أموال جيوبه الضيّقة، على كامل أرضه الواعدة!
أصبحت الأرض جاهزة للحراثة حين تضعف رطوبة التراب، تليها زراعة الخضار والحبوب في الأماكن المفتوحة على أشعة الشمس ودفئها!
هذا ما يفعله المزارع مع إطلالة كل فصل ربيع، فصل قيامة الخصوبة وبداية النمو. إنه يؤسس الأرضية الصالحة لأتعابه، فيضمن مواسم الأشجار الكريمة من الفاكهة المتعددة، ويستفيد من عطاءات الطبيعة الكريمة، من خضار وحبوب!
ليت لبنان يحكمه مزارع يعمل على استصلاح الكيان، يعمل على استئصال كلّ ما هو ضارّ للمجتمع والوطن، حتى يضمن مواسم التقدّم، والتطوّر، والنمو، في حقول الصحة، والغذاء، والقضاء، والأمن، والسكن، والرعاية الاجتماعية!
لا يمكن لهذا "المزارع الحاكم" القيام بواجباته كاملة وصادقة، من دون هطول "أمطار" الاستقلالية، والموضوعية، والصدق، والتفاني، والثقة، حتى تسهل أمامه عملية استئصال الفساد والفاسدين من جذورهم العميقة العفنة، التي تمتصّ جميع خيرات البلد والبشر!
لا يمكن التفاؤل والرهان على إمكانية قيامة لبنان، من دون استئصال كلّ الأعشاب البريّة الضارّة من جذورها، وإعادة حرث ترابه الخصب، وإعادة زراعته بقامات وخامات وطنية قادرة وفاعلة، ونثر بذار الفعاليات المتخصّصة في أمور الناس بالأديم الواعد، حتى يعمّ الخير ويدوم الأمان والاستقرار!