قد لا يجهد المرء في اختيار موضوعٍ للكتابة عنه. انما قد يجد صعوبة في ايجاد الرغبة للاستمرار في كتابة المحتوى لأنه في نهاية المطاف سيعجز عن الوصول الى خلاصة واحدة، او تحليل يكبح فضوله ويقنع عقله.
اذ ان الأحداث في هذا البلد كثيرة ومتشعبة تحتاج دوماً الى تفكيك عقدها وتعقيداتها.
تناول مثلاً حدث "الطوفان الأقصى" ومن خلفه حرب الجنوب سلاحٌ ذو حدين، لأن التطرّق اليه من زوايا متعددة يأخذك الى استنتاجات مختلفة عن بعضها بعضاً.
مقاربة الموضوع من الناحية العاطفية يدفع اي مراقب او مواطن يناصر القضية الفلسطينية الى تأييد تاريخ ٧ تشرين وتمجيده في كسر هيبة العدو الصهيوني، الذي تفنّن في عدوانه واجرامه منذ نكبة ١٩٤٨ الى اليوم، ونكث التزاماته في كل الاتفاقات من اوسلو وغيرها.
المقاربة العملية للسابع من تشرين اظهرت تطوّراً نوعيّاً عسكريّاً لحماس، وقدرة مميزة وسريعة في التنفيذ أربكت العدو وشلّت معظم مقدراته.
لكنّ السؤال الذي يُطرح: ما أبعاد هذا العمل العسكري غير ردء الظلم المتمادي الوحشيّ؟
هل هدفه تحرير الأرض وتوسيع رقعة السلطة لنصل بقوة البندقية الى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستعصي منذ زمن؟
تحصين حماس لنفسها وكوادرها عمل ممتاز صعّب على العدو النيل منها وانهاءها.
لكن سؤال يُطرح: لمَ لم تعمد حماس الى تحصين الفلسطينيين في انفاق او ما شابه لتقليل الخطر عنهم؟ خصوصاً وان العدو بالتأكيد لن ينتظر منه اقل مما بدر من وحشية وحقد وابادة متعمّدة.
اما الجبهة الجنوبية اللبنانية والتي لا تحتاج الى تبرير، خصوصاً مع عدو يخترع الحجج لتدمير مقدّرات المقاومة والبلد والمواطن على حد سواء.
فإنّ تحريكها في الثامن من تشرين تحت مسمى "قوة إسناد" لغزّة ومن ثم "معركة استباقية" ردعية في وجه عدو كان سيبادر بها على حدّ معظم المعلومات والتحليلات. السؤال يُطرح: أوليس بإمكان المقاومة ان يكون إسنادها لطوفان الأقصى من خلال جهوزيتها الردعية القوية الحاضرة لدحض عدوان "محتمل" شمالاً من دون اي مبادرة؟ خصوصاً مع الاعداد الهائلة للشهداء وللدمار الكبير في الجنوب، فتكون المقاومة على الأقل قد حصّنت نفسها من اي مساءلة داخلية وخارجية، سيّما وان قوتها الردعية اثبتت نفسها ولجمت العدو مراراً.
من الواضح أنّ أمد الحرب طويل. ويبدو ألّا رغبة للعدو في إيقافها، إذا لم تنفع إلى الآن مفاوضات الهدنة في رمضان.
وفي الجنوب اللبناني، المدنيون غير محصّنين في ملاجئ أو أنفاق، وسبل الحماية تكاد تكون معدومة في وجه عدو يقتل ولا يقاتل.
عدّو لا يحترم أيّ قانون دوليّ، ولن يرضخ لقرارات محكمة دولية ما دام يسانده العالم الغربيّ بمعظمه.
من أجل أن ينتصر أيّ "سابع من تشرين" في المستقبل، علينا أن نقرأ من جديد عدوّنا ونحصّن جيّداً أنفسنا.