بدا واضحاً أنّ هناك تفاهمات على مساحة الشَرق الأوسط، بين الفرقاء لحلّ النّزاعات الواقعة في هذه
المنطقة، وفتح صفحة جديدة فيما بينها، تضع حدّاً لعشرات السّنين من الحروب والنّزاعات والقطيعة.
يعتبر الاتّفاق من الوجهة الاميركيّة في الشّرق الأوسط، نكسة للسّياسة الاميركيّة في المنطقة، ودليلاً على
تراجع دورها ونفوذها لمصلحة الصّين. لم تعد الولايات الاميركيّة، اللاعب الوحيد على السّاحة في الشّرق.
وهناك نظريّة تقول أنّ الاتّفاقيّة تهدف للضّغط على الولايات المتّحدة لأداء دور أكبر، خصوصاً أن دورها
أمنيّ- أساسيّ في المنطقة.
عقدت الصّين اتفاقيتها الشهيرة العام الماضي مع إيران، طالت الجانب العسكري، الاقتصادي، السياسيّ، والتنسيق الكامل بين الدّولتين على كافّة الأصعدة. تضمّنت بنداً، تلتزم بموجبه الصّين شراء النفط الإيرانيّ، ما أضفى على هذه الاتفاقيَة طابعاً هاماً وهو كسر الطّوق المفروض على طهران وامدادها بالسّيولة النّقديّة، ما أعطاها هامشاً للتهرّب من العقوبات الأميركيّة وفكّ عزلتها الدّوليّة.
إنّ الخلاف المتجذّر في التّاريخ بين طهران والرّياض، أعطى الصّين دوراً مهمّاً كوسيط هدنة عالميّ.
أحدثت الاتّفاقيّة هذه، تغيراً في موازين القوى في الشَرق الأوسط، ولعلّ العزلة والإحباط والوضع الدّاخلي المتأجج والعقوبات، بالإضافة لفشل مباحثات فيينا، ما دفع طهران لإبرام هذه الاتفاقية.
# الاتفاقية السّعوديّة -الايرانيّة
أهم بنودها، حلّ الخلاف التاريخي وتبريد الجبهات المشتعلة. وقف دعم الميلشيات ومدّها بالسّلاح وزعزعة استقرار وأمن دول المنطقة، وانسحاب تلك الميليشيات منها، خاصة اليمن العراق، سوريا، ولبنان. بالإضافة إلى عودة السّفراء وتطبيع العلاقات الدّبلوماسيّة. تتراجع طهران عن نشر ثورتها في الشّرق.
الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدّوليّة. توقيع إتفاقية التّعاون الأمنيّ للمطلوبين.
# الاتفاقية المصريّة- التركيـّة
عودة العلاقات والتّنسيق السياسيّ، التبادل الدّبلوماسي والاقتصادي ، شكلت نقطة تحوّل هامة.
واللافت، عودة العلاقات بين تركيا واليونان عقب الزلزال المدّمر الأخير.
# الاتفاقية الرّوسيّة- الإيرانيّة
تنصّ على أهميّة التنسيق السّياسيّ والعسكريّ فيما بينهما، ولعلّ إمداد إيران، روسيا بالمسيّرات ومساعدتها عسكريّاً في حربها ضد أوكرانيا والناتو، انعكس، غضباً أوروبيّاً غربياً على طهران وأدّى لوقف المحادثات النوويّة. العقوبات، فشل محادثات فيينا، المظاهرات وتردّي الأوضاع الدّاخليّة في إيران، مع استشعارها بقرب ضربة اسرائليّة-أميركيّة، العزلة والإحباط، دفعت بطهران للقبول بالاتفاقيّة مع السعوديّة برعاية بكين.
# الاتّفاقيات السوريّة - الخليجيّة
ترمي إلى إعادة العلاقات الطبيعيّة بين تلك الدّول وتمهّد لعودة سوريا إلى الحضن العربيّ وإلى جامعة الدّول العربيّة. تمويل خليجي لإعادة إعمار سوريا، مساهمة دول الخليج بودائع نقديّة في المصارف السوريّة. فتح السّفارات وعود الحياة الدّبلوماسيّة، فيما بينها.
كلّ ذلك يحدث لسبب، ومن الواضح أن حلّ النّزاعات في الشرق الأوسط بات ضرورة ملحة وجارٍعلى قدمٍ وساقٍ.
ما يقلق، أن التسويات والمصالح تكون الطاغية دوماً.
ولبنان المنكوب والضعيف والمشرذم، لن يكون لاعباً قوياً ويفرض شروطه مع الأسف. في ظلّ أزمة اقتصاديْة واجتماعيّة مرعبة، وطبقة سياسيّة فاسدة وفاشلة، وبإمتياز. فالتسوية قد تكون على حساب لبنان، لانّه الحلقة الأضعف.
# الهيمنة الفلسطينية
فرض العرب أيام عبد النّاصر، اتفاقية القاهرة على لبنان الّتي شرّعت التواجد المسلح والانطلاق بالعمليّات العسكريَة ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانيْة، فخُرقت السّيادة وضعفت الدّولة لصالح منظمة التحرير، بحجّة العمل الفدائيّ والقضية الفلسطينيْة. وكان لبنان بحدوده السائبة، مفتوحاً أمام القصف والغارات والاجتياحات الاسرائليّة الدائمة.
# الإحتلال السّوريّ
للسيطرة على الوضع والحرب في لبنان آنذاك، قام الغرب بتلزيم سوريا الملفّ اللبنانيّ وسمحوا بالتدخّل العسكريّ لها مدة ثلاثين عاماً. ضعفت الدْولة وانتقصت السّيادة بحجة أن الوجود العسكريّ السوريّ ضرورة وحاجة و مطلباً ملحّاً بمباركة الحكومة اللبنانيَة.
# النفوذ الإيرانيّ و"حزب الله"
بعد هجمات ١١ ايلول ونشوء الإرهاب السّنيّ وبن لادن، رأى الغرب ضرورة إضعافه ومواجهته بتقوية النفوذ الشيعيّ في المنطقة، وكي يبقى الخليج والبترول تحت السيطرة الغربيَة ولفتح أسواق جديدة لبيع السّلاح.
بعد انسحاب الجيش وزوال الاحتلال السّوريّ للبنان عقب زلزال اغتيال الحريري، وثورة ١٤ آذار الرائعة، المصالح والتفاهمات الدوليّة، سمحت بتمدد النّفوذ الإيراني عبر "حزب الله" وتمّ تسليم الملف اللبناني لإيران. وقامت الدّويلة على حساب الدّولة وتآكلت تحت مسمّى المقاومة، ومحاربة العدو وتحرير القدس.
الآن نحن أمام استحقاقات وأمام حقبة جديدة. هل سيقسّم لبنان بين منطقتي نفوذ: سورية -إيرانيّة وسعوديّة؟
الاتفاقيات بين الدّول، تحتوي دائماً بنوداً سريّة وقرارات تحت الطَاولة، لا تظهر للعلن.
قد نشهد إعادة إحياء اتفاق الطّائف وتقاسم النّفوذ، فيكون رئيس الجمهورية من حصَة الممانعة ورئيس الحكومة من حصَة المعارضة والمقرَب من المملكة.
سيناريو انقلاب عسكريّ، يمكّن الجيش من السيطرة على المناطق المسيحيّة والسّنيّة والمناطق الدّرزيّة.
وتبقى المناطق الشيعية تحت سيطرة "حزب الله".
ملامح هذا السيناريو بدأت بدعوات العسكرييّن القدامى للنزول إلى الشَارع، مع قوى معارضة أخرى، ولعلّ حديث السّاعة والانقسام العاموديّ الَذي حصل، تحضيراً للناس لحصول الانفصال وفرض السيناريوالمتّفق عليه. يؤدي ذلك لفوضى وعصيان شعبيّ وقطع طرقات، يفضي بالنهاية لانتخاب رئيس للجمهوريّة، قد يكون سليمان فرنجية. ونوّاف سلام رئيساً للحكومة. نكون قد بدأنا عصر الفدراليّة. كلّ شيء وارد وما علينا سوى الانتظار، فالغد لناظره قريب.
لا نحتاج اموالاً أو إبداعاً، أدمغة، مهارات وعزيمة في هذا الوطن. ما نحتاجه أن نحبّ وطننا وأن نكون متعصْبين للبنان فقط ولنترك الطوائف والمذاهب والأديان وأجندات الدّول الخارجيّة ومصالحها جانباً. نحتاج رجال دولة كباراً… شرفاء وعظماء.
يحتاج منّا الوطن أن نكون له، لشركائنا فيه، للأرض والتاريخ… أوفياء .