في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة التي تمر بها البلاد منذ العام ٢٠١٩ حتّى يومنا هذا، تزداد المشكلات الاجتماعيّة في لبنان. وقد أرخى الوضع الاقتصادي الصّعب بظلاله على القطاع التّربوي. فبين ارتفاع الأقساط المدرسيّة في المدارس الخاصّة وانتشار الفوضى في المدارس الحكوميّة بسبب مطالبة الأساتذة برفع الرّواتب وعجز الدّولة عن تلبية هذه المطالب، انخفضت قدرة الأهل على تعليم أطفالهم، ولم يتبقّ أمام أولئك الصّغار سوى خيارٍ واحدٍ هو العمل. تعدّ عمالة الأطفال من أهم المشكلات التي تواجه الطّفولة في لبنان، حيث يقوم القيّمون على أولئك الأطفال باستغلال طفولتهم بزجّهم في الحياة العملية. يوكل إليهم العديد من الأعمال الشّاقة والصّعبة التي لا تناسب أعمارهم وضعف أجسادهم الصّغيرة، وذلك من دون تأمين أيّ حماية أو رعاية لهم.
من النّاحية القانونيّة تُعتبر عمالة الأطفال انتهاكًا لحقوق الأطفال، و تؤدّي إلى حرمانهم من طفولتهم حتى تعريض حياتهم للخطر في بعض الأحيان. تؤثّر هذه الظاهرة سلبًا على الطفل العامل، وكذلك على المجتمع؛ فالطّفل الذي يعمل في سنّ مبكرة، ولا يذهب إلى المدرسة، لن يبني علاقات اجتماعيّة مع أولاد من نفس السنّ، ولن يتعلّم حقوقه وواجباته. نتيجة لذلك، لن يستطيع الدّفاع عن نفسه أو عن مجتمعه، ولن يتعرّف كذلك قوانين بلاده ليصونها ويحترمها، ولن يتكوّن لديه حسّ بالمسؤوليّة تجاه بلده ومجتمعه.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدّي عمالة الأطفال إلى زيادة معدّلات الجهل في المجتمع، وإلى انخفاض نسبة التعلّم، ممّا يشكّل عائقاً وحاجزا أمام تقدّم المجتمع وتطوّره وازدهاره، ناهيك بالمشكلات النفسيّة التي تُصيبه في عمله. نذكر من ذلك العنف والتحرّش الذي قد يجعل منه شخصًا منحرفًا خارجًا عن القانون، ويقوم بأعمال اجراميّة تؤذي المجتمع والنّاس.
ليس لبنان البلد الوحيد الذي يعاني من ظاهرة عمالة الأطفال. فهذه الظّاهرة موجودة في العديد من الدّول العربيّة وغير العربيّة، وحتّى في الدّول المتقدّمة. لكن ما يميّز دولة عن أخرى هو حجم الإجراءات التّي تتّخذها الحكومات لمكافحة هذه الظّاهرة. والجدير بالذّكر أنّ هذه الظّاهرة ليست جديدة، وموجودة منذ زمن، لكنّها تزايدت في السّنوات الأخيرة، وارتفع عدد الأطفال العاملين بسبب جائحة كورونا والأزمات المتتالية التي اجتاحت العالم.
حذّرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة من المخاطر التي تواجه أطفال لبنان بسبب تفاقم الأزمة الاقتصاديّة التّي أطاحت بالمجتمع اللّبناني، وأدّت إلى انزلاق الطّفولة في منعطف مظلم يصعب الخروج منه، في ظلّ غياب شبه تام للدّولة وعدم سعي المؤسّسات الحكوميّة للقيام بأي إصلاحات تؤمّن الحماية والحياة الكريمة للأطفال في لبنان. وهنا سؤال يطرح نفس: هل تعي الدّولة اللّبنانية شبه الغائبة الخطر الذي يواجه مجتمعنا مع ازدياد عدد الأطفال غير المتعلّمين، المشرّدين، الذّين يقومون بأعمال صعبة تخطف منهم البراءة والطّفولة؟
يعوّل اللّبنانيّون على جيل المستقبل لبناء ما دمّرته الأجيال السّابقة، ولكن هل هذا ممكن في ظل تفاقم أزمة عمالة الأطفال؟ وهل ستدفع الطّفولة ثمن الأزمات المتعاقبة والفساد المستشري وإهمال الحكومة؟