يتنقل من مخيم إلى مخيم على امتداد الخارطة السورية، ينغمس بتفاصليها كل صباح، يمسح غبار اللجوء عن وجنتيها، كيف لا! وهو القيادي الفلسطيني الصاعد من رحم (مخيم النيرب)، لكنّ عينيه كانتا شاخصتين دوماً إلى الجنوب الممتد من الجليل إلى أم الرشراش. في المكتب المركزي للجبهة الذي يحمل عبق سنديان فلسطين وكلمات حكيم الثورة جورج حبش، كان هذا الحوار مع الأستاذ عمر مراد، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
السؤال الأول: لنبدأ من الحدث معركة طوفان الأقصى، كيف تقيّمون هذه المعركة بعد مضي خمسة أشهر؟
- إن العملية البطولية طوفان الأقصى بمعانيها ودلالاتها وأبعادها الاستراتيجية، ستبقى راسخة بالمعنى التاريخي، كمحطة نوعية في تطور الكفاح الفلسطيني. وتأكيد لأهمية العمل الفدائي في مواجهة الكيان الغاصب، فهي ضربة ثورية من العيار الثقيل لمنظومة هذا الكيان الغاصب السياسية والعسكرية والأمنية.
وهي بحقّ بروفة الانتصار الكبير، أمّا العدوان الصهيوني وبعد مضي خمسة شهور ونيف، ورغم حرب الإبادة والدمار الشامل لكل مقومات الحياة، لا يزال عاجزاً عن تحقيق أيّ من أهدافه، وخاصة تلك المتعلقة بتهجير أبناء شعبنا، واجتثاث المقاومة وتحرير الأسرى الصهاينة، وها هي المقاومة صامدة ومستمرة بتصدّيها لقوات العدو، والشعب رغم الدماء والأشلاء ثابت في أرضه، يتحدّى مخططات العدوان من تصفية وتهجير و...
السؤال الثاني: لنتحدث بصراحة، وأنقل ما يردّده البعض أنّ عملية السابع من أكتوبر كانت عملية غير محسوبة النتائج، وقد ورّطت الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية في حرب ضروس مع "إسرائيل"، في ظلّ ظروف فلسطينية وعربية ودولية سيئة، كيف تردّون على هذه الأقوال؟ وما هي قراءة الجبهة لهذه العملية؟
- لا يمكن لعملية بهذا المستوى النوعي من حيث الدقّة والتخطيط ألّا تكون محسوبة النتائج، فهي مدروسة ومعدّ لها جيداً، ولكن في الحروب والمعارك تحصل مفاجآت أحياناً، مثلاً انهيار فرقة عسكرية للعدو بسرعة فائقة إلى هذا الحدّ، وخلخلة كيان العدو وارتباك قادته وأركانه رغم الترسانة العسكرية والأمنية وما لديها من خبرات وتقنيات وإمكانيات، ربما لم يكن في الحسبان أنّ العدو سيضع أهدافه القصوى باجتياح قطاع غزة وتهجير أهله وتدمير كلّ مقوّمات الحياة فيه، وفرض السيطرة الكاملة عليه ارتباطاً بخطّة الحسم واجتثاث الفلسطينيين من أرضهم على قاعدة إنهاء الصراع بدلاً من الإبقاء على إدارته.
السؤال الثالث: هناك وجع فلسطيني فاق كلّ التصوّرات نتيجة الإجرام الصهيوني، وفي المقابل هناك صمود أسطوريّ، دعنا نتحدّث عن النصف الأخر من الكأس، أين ترى الوجع الصهيونيّ جرّاء معركة طوفان الأقصى؟
- يقال "كما تتألّمون يتألّمون"، صحيح أنّ شعبنا يعاني الأمرّين جراء العدوان وحرب الإبادة والتطهير العرقي وآلاف الجرائم والمجازر التي يرتكبها هذا العدو العنصري الفاشي، لكنّ الكيان الصهيوني يعيش نكبات وأزمات لا حصر لها، منها انكشاف عجزه وفشله في تأمين الحماية والأمن للجبهة الداخلية وقطعان مستوطنيه، ونزوح ما يزيد عن مئتي ألف مستوطن من شمال فلسطين ومن مناطق ما يُسمّى بغلاف غزة، وخسارته لأعداد كبيرة من القتلى الصهاينة مدنيين وعسكريين برصاص الجيش الصهيوني، وكذلك قتل العشرات من الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة، لقد تجاوز القتلى على أيدي جنودهم الـ 10 في المئة من إجمالي قتلاهم منذ بدء العدوان حتى الآن.
تتزايد وتتّسع احتجاجات أهالي الأسرى والمستوطنين، وتتفاقم حدّة الصراعات الداخلية السياسية والحزبية والطائفية، وكذلك تحتدم التناقض بين الصهيونية الدينية والصهيونية "العلمانية". وهناك الانهيار الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري، وفوق كلّ ذلك تهتزّ الثقة "بالهوية القومية" المصطنعة سواء أكانت يهودية أم إسرائيلية. عدا توتّر العلاقات مع معظم دول العالم، وخاصّة الداعمة للكيان، وهزيمة السردية الصهيونية أمام شعوب العالم، وتبنّي ودعم السردية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
السؤال الرابع : قدّمت الجبهة الشعبية مبادرة لتشكيل قيادة وطنية موحدة، أين أصبحت هذه المبادرة؟
- تميزت الجبهة الشعبية بتقديم مبادرات عدّة بين عامي 2022 و2023، جبهة مقاومة موحدة لمواجهة العدو، ثم الاستراتيجية الوطنية لإنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة الجميع، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في حوارات الفصائل السابقة.
وبعد عملية طوفان الأقصى قدّمت الجبهة مبادرة لتشكيل قيادة طوارئ وطنية موحدة لمواجهة العدوان، وقدمتها للفصائل الفلسطينية، ورغم ترحيب الجميع وبعد نقاشها مع ثمانية فصائل، وافق ستة من الفصائل على تسميتها قيادة وطنية موحدة، وبعد جولات حوار ونقاش، تمّ اعتمادها بمحاورها الرئيسية لتكون ورقة الرؤية الوطنية الموحدة، دون وضع الآليات المناسبة للشروع في تطبيق هذه الرؤية، ربما هناك محاذير لبعض الفصائل، وعدم اكتراث من البعض الآخر.
السؤال الخامس: الكلّ الفلسطيني يراهن على دور الجبهة الشعبية في الساحة الفلسطينية لما تمثله الجبهة من احترام ومصداقية من الجميع، كيف تقيّمون دور الجبهة في معركة طوفان الأقصى على المستوى السياسيّ والعسكريّ؟
- تعمل الجبهة الشعبية بكلّ ما لديها من طاقات وإمكانيات من أجل مواجهة العدوان وتعزيز صمود شعبنا، على المستوى العسكري والقتالي تشارك الجبهة مع باقي فصائل المقاومة وبتنسيق عالي المستوى في المعارك والاشتباكات مع العدو، عدا العمليات الخاصة التي تنفّذها كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في غزّة، وما يسمّى غلاف غزة.
وبالمعنى السياسي، لا زالت الجبهة تدفع بضرورة تشكيل قيادة طوارئ أو قيادة موحدة لإدارة الصراع. عدا التواصل مع أطراف ودول محور المقاومة، وكذلك التواصل مع حركات التحرّر العربية والعالمية، وتنسيق الفعاليات بما فيها تعزيز دور المقاطعة ومناهضة التطبيع. وقبل أيام تمّ طرح مبادرة من قبل رفاقنا لتوحيد أو تنسيق عمل الجاليات الفلسطينية، ثمّ العربية وخاصة في أوروبا والأميركيّتَين.
السؤال السادس: جرى لقاء للفصائل الفلسطينية في موسكو، كيف تقيّمون هذا اللقاء؟
- لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو لم يلبِّ الغرض المطلوب، ولم يكن بمستوى تضحيات شعبنا وصمود مقاومتنا، فهو نداء استغاثة لنجدة شعبنا ووقف معاناة أهلنا في قطاع غزة، وتكرار لخطاب المهادنة السياسية، وعدم القطع مع الخيار السياسي التفاوضي أو مع الرهانات الجوفاء على الرباعية الدولية والمجتمع الدوليّ. دون البحث بضرورة الوحدة الوطنية وإعادة الاعتبار إلى مكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد الأداء القيادي والميداني في مواجهة الأخطار التي تستهدف الوجود الفلسطيني والأرض الفلسطينية.