لا يخفى على القاصي والداني الوضع المقلق للغاية في فلسطين عامةً وفي غزة تحديداً والذي ينعكس ويرخي بثقله على لبنان بشكل غير مباشر وجنوبه بشكل مباشر، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي للبلاد الذي فاقم الأزمة وزاد الطين بِلة أضعافاً وأضعافاً ناهيك عن عدم وجود هيكلية لدور الدولة التي لا زالت تفتقد لوجود رأس الهرم فيها بعدم أنتخاب رئيس للجمهورية ولا حتى حكومة أصيلة دستورية تمارس مهامها بشكل قانوني وصحيح وفعال على أرض الواقع.
فالواقع يشير إلى تخوف كبير يصل إلى درجة الانهيار الشامل لكافة مرافق الدولة من جهة التي باتت مشلولة تماماً جراء المناكفات السياسية المعهودة (التي تتوافق مع مصلحة كل فريق وكل حزب وكل طائفة وكل تابع...).
فالرهان على نهوض الدولة في لبنان كالرهان على سراب في صحراء قاحلة. غير أن كثبان الصحراء تتغير بتغير الرياح، إلا نحن لا زلنا نكرر تكرارنا بتكرار وتكرار وتكرار ولا نتعلم الدرس ونلدغ من نفس الجحر مراتٍ ومرات.
يساق لبنان وبقوة نحو آتون "جهنم" كما قالها سابقاً فخامة صاحب العهد القوي والتي كانت المؤشر الوحيد الصحيح بكل عهده. فمنذ ذاك الوقت ونحن ندرك حجم المأساة التي ندور في فلكها دون تغيير شيء في السيناريو المكتوب لنا ولكن لنؤدي دوراً ثانوياً ألا هو دور "الخراف.
على فترة ثلاث سنوات ونيّف لم يستقر سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء وكان صعوده القياسي يزداد يوماً بعد يوم، وبقيت الأسعار ضمن مؤشر قريب إلى نسبة الصعود إلى حدٍ ما... أما اليوم فحدّث ولا حرج. فلا معيار أو سعر محدد لأي سلعة، بل على العكس، لو أردنا مقاربة النسبة في ارتفاع هذه الأسعار رغم استقرار سعر صرف الدولار منذ عدة اشهر، فبالتالي الأسعار يجب أن تستقر لا أن ترتفع بطريقة عشوائية "كلٌ يغني على ليلاه".
سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، مسبوقاً من الأرجنتين 251 في المئة، ومتبوعاً من فنزويلا 173 في المئة، وتركيا 72 في المئة، وذلك بين الفترة الممتدّة بين شهر كانون الأوّل 2022 وكانون الأوّل 2023، وقد بلغت نسبة التغيّر السنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء 208 في المئة.
وبينت الأرقام المحدّثة للأمن الغذائي الصادرة عن البنك الدولي، والتي تعطي لمحة عن نسب التغير السنوية لمؤشر الغذاء في مؤشر تضخم الأسعار، في عدد من البلدان حول العالم، أن نسبة تضخم أسعار الغذاء لا تزال مرتفعة حول العالم وفي كل فئات الدخل. إذ أنّ 63.2 في المئة من البلدان ذات الدخل المنخفض، و73.9 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسّط الأدنى، و48 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع، و44.4 في المئة من البلدان ذات الدخل المرتفع، شهدت نسب تضخم إجمالية تخطت عتبة الـ5 في المئة، فيما لدى بعضها نِسب تضخم فاقت الـ10 في المئة.
أما مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر كانون الأول 2023، فقد سجل ارتفاعاً وقدره 0,02 في المئة بالنسبة لشهر تشرين الثاني 2023، مع العلم أن التغير السنوي لمؤشر أسعار الاستهلاك عن كانون الأول 2023 بلغ 192,3 في المئة بالنسبة لشهر كانون الأول من العام 2022.(طبقاً لإدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء).
وأشارت إدارة الإحصاء المركزي الى أن معدل التضخم السنوي للعام 2023 بلغ 221,3 في المئة، علماً أن معدلات التضخم السنوي عن السنوات السابقة كانت كالآتي:
العام 2022: (171,21 في المئة)
العام 2021: (154,8% )
العام 2020: (84,9% )
العام 2019: (2,90% )
العام 2018: )6,07% )
العام 2017: (4,48%)
العام 2016: (-0,82%)
العام 2015: (-3,75%)
العام 2014: (1,9%)
العام 2013: (4,8%).
أضف إلى ذلك أنّ إجمالي خسائر الاقتصاد اللبناني بلغت نحو مليار و300 مليون دولار، نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية منذ 8 تشرين الأول 2023. وأنّ الخسائر الاقتصاديّة اليومية بلغت نحو 6 ملايين دولار، كما تراجعت الأعمال بنسبة 10 في المئة في المؤسسات بمختلف القطاعات.
أما "الخسائر المباشرة للحرب الدائرة في الجنوب فتنقسم بين الخسارة البشرية التي بلغت 306 شهداء، 1200 جريح و91 ألف نازح، وتعطّل الدورة الاقتصادية في 46 بلدة وقرية. أما الخسائر المادية غير المباشرة، فبلغت لغاية اليوم 350 مليون دولار أميركي توزّعت بين دمار 1,500 منزل بشكل كامل. كما أدّت إلى تضرّر 1,700 منزل بشكل كبير، و4,000 أخرى بشكل جزئي والبنى التحتية، وخسارة زراعية تمثّلت بموسمي الزيتون والتبغ، بحيث تم احتراق 10 ملايين متر مربع من الأراضي الزراعية والأحراج وفق المجلس الوطني للبحوث العلمية".
يُذكر أنّ الدولة اللبنانية تمتنع عن إصدار أيّ أرقام أو إحصاءات متعلّقة بنتائج العدوان الإسرائيلي على الجنوب، بما في ذلك محصلة الخسائر على مستوى أرواح المدنيّين الذين قتلهم الاحتلال باستهداف الأحياء والمرافق السكنية.
ناهيك عن تصدر لبنان قائمة الدول العربية، والترتيب الثالث عالمياً، في "الأكثر بؤساً" مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع معدل التضخم.
وأضف إلى ذلك الوضع الأمني المتفلت والمخيف الذي باتت دائرته بالتوسع في بعض المناطق وارتفاع نسبتها ووتيرتها في الآونة الأخيرة. يبقى على كاهل المواطن العادي والبسيط والمجرد من كافة حقوقه بالعيش الكريم دفع فاتورة كل ذلك وبكل ذل.