إن فشل النظام الصهيوني في ضرب المقاومة في غزة والوقوع في مستنقع حرب الامتيازات دفع قادة النظام الصهيوني إلى اللجوء إلى استراتيجية "الألف خنجر" للهروب من الضغوط الداخلية والخارجية.
وبطبيعة الحال، فإن هذا التحول الاستراتيجي يعني هزيمة العدو في الميدان، وكتب مركز أبحاث أتلانتيك أن إسرائيل تضيف إلى نماذجها التكتيكية، بينما فشلت استراتيجيتها تجاه إيران وهناك فجوة متزايدة بين تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين والحقائق على الأرض وقبل فوات الأوان، لا بد من تبنّي سياسة متوازنة تأخذ في الاعتبار وضع البرنامج النووي الإيراني!
والآن يمكن القول إن نظرية تقريب إيران من الحرب صحيحة، لكن أمثلتها خاطئة وتتطلع إسرائيل إلى تورط إيران مع أميركا، لأنها تعلم أن التورط مع إيران يكلفها الكثير وفي الوضع الحالي حيث تقاتل "حزب الله" وحماس على جبهتين، فإن الحرب مع إيران ليست منطقية ولذلك فإن مبدأ سعي إسرائيل إلى التعامل مع إيران مع الولايات المتحدة مستمر منذ سنوات عدّة، وهذا لن يحدث مع اغتيال سيد رضاي. وتحاول إسرائيل توريط إيران وأميركا في الحرب في العديد من القضايا.
منذ بدايتها، كان يُنظر إلى حرب غزة على أنّها مقدمة محتملة لصراع مباشر بين إيران وإسرائيل، ويواصل "حزب الله" التهديد بفتح جبهة جديدة في الحرب، وقد رحّب المتشدّدون في إيران بالتدخل المباشر. وفي الشهر الماضي، أشار وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف إلى رسالة حاول فيها مسؤولون متشدّدون إقناع صنّاع القرار بالسماح لإيران بالدخول في الصراع مع إسرائيل نيابة عن حماس.
ومع ذلك، كما لاحظت مجلة فورين بوليسي، فإن احتمال نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق منخفض، وعلى الرغم من الشعارات التي يردّدها المتطرّفون، فإنّ واقع التفكير الاستراتيجي الإيراني أكثر مراعاة. هناك أسباب تجعل من المرجّح أن تتجنّب طهران بدء حرب مع إسرائيل نيابة عن حماس.
وحذر الفصيل المعتدل في إيران من التدخل الإيراني المباشر في الحرب وفي الواقع، أدت الحرب في غزة إلى تعميق بعض الخلافات السياسية في طهران. وفي تقييم المتطرفين لهذا التهديد، فإنّ تدمير حماس يعني تلقائياً انهيار "حزب الله"، وبالتالي شنّ هجوم عسكري على إيران في نهاية المطاف. ويتناقض هذا الرأي بشكل صارخ مع وجهة النظر التي يتبنّاها المسؤولون المعتدلون وأبرزهم ظريف، الذين حذّروا باستمرار من العواقب المدمّرة لدخول إيران المحتمل في حرب مع الولايات المتحدة.
ووفقا لظريف، إذا اتخذت إيران موقفاً أكثر تطرفاً بشأن غزة، فقد يؤدّي ذلك إلى صراع مميت مع الولايات المتحدة، وهو ما سترحّب به إسرائيل. وعلى الرغم من تهميشه من قبل حكومة إبراهيم رئيسي، لا يزال ظريف يتمتّع بنفوذ كبير بين النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية والمجتمع.
إنّ فشل إسرائيل الواضح في منع هجوم حماس في ٧ أكتوبر/ تشرين الأول لا يغيّر حسابات طهران الإستراتيجية تجاه إسرائيل. وعلى الرغم من اعتماد إسرائيل على تقنيات دفاعية متقدمة مثل نظام الدفاع الصاروخي (القبة الحديدية)، فقد وجهت حماس ضربة عسكرية واستخباراتية كبيرة لها، وبالتالي كسرت سياسة الردع الإسرائيلية. لكنّ هذا لا يغيّر وجهة نظر إيران تجاه إسرائيل أو ديناميكيات القوة في المنطقة. ورغم أن عملية حماس أثّرت على استراتيجية الردع الإسرائيلية الراسخة، إلّا أنها لا توفر فرصة لإيران لتحدّي إسرائيل بقوتها الصاروخية. وعلى العكس من ذلك، قد تعتقد إيران أن إسرائيل تشعر أن إعادة ترسيخ الردع هي أولوية وجودية تستحق المخاطرة العسكرية أو السياسية غير العادية من أجلها.
وخلافاً للاعتقاد السائد، فلا حماس ولا حتى "حزب الله" يشكّلون القوة الوكيلة لإيران والأصح اعتبارهم حلفاء إيران من غير الدول. لا توجد علاقة من أعلى إلى أسفل بين طهران وحماس وحتى مع قيام حماس بمواءمة تصرفاتها مع إيران، فإن أساليبهما قد تتباين. كما ذكرت وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أنّ كبار المسؤولين الإيرانيين لم يكونوا على علم بعمليات حماس.
ولم يعلن شركاء إيران الاستراتيجيون في موسكو وبكين عن دعمهم الكامل لحماس، واستناداً إلى سياستها التطلعية إلى الشرق، تسعى إيران إلى التحالف مع الصين وروسيا وتكره تعطيل علاقاتها مع هاتين الدولتين. ويبدو أنّ هدف إيران هو تجنّب العزلة في الأزمات الدولية الكبرى.
هناك اعتقاد عميق بين صناع القرار المؤثرين في إيران بأنّ المشيخات العربية في الخليج الفارسي سترحّب بحرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل، وقد تأمل إيران أن تقطع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لحرب أوسع نطاقاً، لكنّ هذا غير مرجّح.
العامل الأخير والأكثر أهمية الذي يؤثر على عدم رغبة إيران الواضحة في خوض الحرب يتلخّص في وجهة النظر المحدّدة التي يتبنّاها كبار المسؤولين في التعامل مع الصراعات الإقليمية. وخلافاً لوجهة النظر السائدة في الغرب، يرى كبار صنّاع القرار الإيرانيين الاستجابة للصراعات الإقليمية من منظور واقعيّ. ومثل هذا السلوك يتماشى مع استراتيجية طهران الشاملة في إدارة الأزمات الإقليمية. قبل أكثر من عقدين من الزمن، عندما استشهد دبلوماسيون إيرانيون في شمال أفغانستان على يد الإمارة الأولى لطالبان، ومالت المشاعر العامة في إيران بشدّة نحو صراع كبير، سارع كبار المسؤولين إلى منع التصعيد.
هذه الأسباب المترابطة تفسّر إحجام الجمهورية الإسلامية عن خوض الحرب نيابة عن حماس. هناك أصوات قوية في إيران وأغلبها في المعسكر المتشدّد، تزعم أنّ الأداة الأكثر أهمية في البلاد لمنع تدمير حماس تعتمد على قرارها بالسعي إلى اكتساب القدرات النووية بشكل كامل، ويعتقدون أنّ ورقة إيران الرابحة تكمن في التهديد بنزع السلاح النووي وإظهار الدعم الحيوي لحلفائها. وقد اكتسبت هذه الحجة زخماً كبيراً عندما دافع أميخاي إلياهو، وزير التراث الثقافي الإسرائيلي المتطرّف عن إسقاط "نوع من القنبلة النووية" على قطاع غزة "لقتل الجميع" باعتباره "خياراً".
لا شيء من هذا يعني أنّ إيران مستعدّة للتخلي عن حماس، مصدرها الاستراتيجي في غزة، وبدلاً من الوقوف مكتوفة الأيدي، من المرجح أن تستمرّ طهران في الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة – عبر "حزب الله" والجماعات الشيعية في العراق وسوريا – دون تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية شاملة.