النهار

مأزق الديمقراطية: نحو تطيير الانتخابات البلدية
المصدر: النهار - فرح سليمان
مأزق الديمقراطية: نحو تطيير الانتخابات البلدية
لجأت السلطة السياسية، ولأسبابٍ واهية، إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية مرتين
A+   A-
في ظل تلاشي الدولة وانحلالها يوماً بعد يوم، وفي ظل التعثر الحكومي والشغور الرئاسي منذ أكثر من 15 شهراً، وتخبّط اللبنانيين بين أزمة الدولار والهجمات الإسرائيلية، يبدو أن السلطة قد دخلت في رحلة غامضة من التمديدات السياسية، تستند إلى مبررات متزايدة في الشك والغموض، ومع تكرار هذا السيناريو، يدور السؤال اليوم حول ما إذا كانت هذه التمديدات السياسية تعكس إرادة حقيقية لتأجيل الانتخابات أم هي تماطل لتجنب المساءلة والتصدي لتحديات البلاد المتنامية؟
لجأت السلطة السياسية، ولأسبابٍ واهية، إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية مرتين، أوّلاهما في العام 2022 بحجة تزامنها مع الانتخابات النيابية واستحالة إجرائهما معاً، وفقا لادعاء السلطة غير الواقعي، وثانيتهما في العام 2023 بذريعة الصعوبات المالية، ومنذ ذلك الحين، بدأت تكرّ سبحة التمديد بهذا الاستسهال "القانوني" لتُعفى السلطة من أبسط واجباتها...
في هذا الصدد، تظهر المؤشرات على عدم رغبة السلطة الحاكمة في إجراء انتخابات بلدية واختيارية، فقد وصل مشروع الموازنة إلى لجنة المال والموازنة من دون رصد اعتمادات لوزارة الداخلية من أجل إجراء الانتخابات البلدية، وبعد مناقشات حادّة في اللجنة، طرح عدد من النواب من جميع الأطراف ضرورة رصد المبلغ الكافي لإجراء الانتخابات، عندها تمّ اعتماد مبلغ 10 ملايين دولار أميركي من احتياط الموازنة لإتمام العملية، لكن إذا سقطت الحجّة المادية للسلطة، هناك حجة أقوى وأكثر تعقيداً تستطيع اللجوء إليها، وهي الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، وهذه الحجة تستخدمها السلطة كـ"ترياق" لإغفال أي مسؤولية عن تمديدٍ ثالث.
"الثالثة ثابتة" للاستحقاق الرئاسي أم تمديد للفراغ والشلل؟
يكتفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أحياناً بالتلميح بما قلّ ودلّ، فتارة يقول: "أنا مجبر على إجراء هذه الانتخابات في موعدها، إلا إذا فعل مجلس النواب عكس ذلك"، وتارة أخرى يشير إلى أن الوزارة تعمل كما لو أن الانتخابات جارية في موعدها، فهو قبل التمديدين، كان دائماً يؤكد أن وزارة الداخلية حاضرة لإجراء الانتخابات البلدية، ثم سرعان ما يأتي التمديد في مجلس الوزراء ومجلس النواب لاحقاً.
وفي موازاة ذلك، هناك عوائق سياسية أيضاً وليست مالية فقط، فلو كان هناك قرار من السلطة بإجراء الانتخابات لكانت لحَظتها في الموازنة.
كما تبقى حجّة الإعتداءات الإسرائيلية غير مقنعة لتبرير هذا الواقع، وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّ الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية جرت في كل لبنان، ومن ضمنه الجنوب تحت الاحتلال الإسرائيلي، ففي عامي 1992 و1996 كان الشريط الحدودي تحت الاحتلال وجرت الانتخابات في كل لبنان، وعام 1998 جرت الانتخابات البلدية والاختيارية والشريط الحدودي تحت الاحتلال، وبالتالي تستطيع السلطة تأجيل الانتخابات في عدد من القرى الحدودية إذا كانت هناك مخاوف أمنية، بينما في استطاعتها إجراؤها في كل لبنان، ولا سيّما الجنوب.
وفي هذا الاطار، لا يمانع بعض النواب تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لأن العقبة الكبرى تكمن في بيروت، وذلك بسبب مسألة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلسها البلدي فإجراء الانتخابات في ظلّ الأجواء الحالية يعني حُكماً وصول مجلس بلدي ذي غالبية مسلمة، ومن هنا يُطالب بعض النواب المسيحيين بإيجاد حلّ يضمن المناصفة في بلدية بيروت قبل إجراء الانتخابات.
في المبدأ، أصبح البلد يعيش الفراغ وكأنه حالة طبيعية، ومع بدء العد العكسي للانتخابات البلدية، يبقى مصير الاستحقاق الانتخابي مجهولاً حتى الساعة في ظل غياب الاهتمام السياسي والقرار أيضاً، وبات الموضوع يقتصر على من سيتقدم بقانون التمديد للمجالس المحلية والاختيارية أولاً، ليبدو التأجيل الخيار المُرجّح متذرّعين بالاعتداءات الاسرائيلية المتكررة لإكمال شلل البلد، ليبقى الشعب الضحية الوحيدة...
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium