على خلفيات عدّة يقوم الآتي...
السياسة علم الدولة، والسياسة لغة القيام بشؤون الرعية، حيث استخدم العرب لفظ السياسة بمعنى الإرشاد والهداية، فقد وضعوا في السياسة كتباً لعل أقدمها كتاب (تهذيب السياسة) للاهوازي، ويعدّ أرسطو مؤسس هذا العلم بكتابه "السياسة" الذي بحث فيه نظام المجتمع الإنساني مبتدئاً بالأسرة وهي الخلية الاجتماعية الأولى، ثم المدينة، ثم الدولة من حيث علاقاتها بالدول الأُخرى، وهذا ما يعرف بالسياسة المدنية والسياسة الدولية.
-الحكم-
لابدَّ من وجود نظامٍ يقنن أمور الشعب، تحفظ به الحقوق، تقام به الواجبات، وإلَّا تصبح الدَّولة كغابةٍ يفترس فيها القويُّ الضعيف، والنظام لا يكون إلَّا بوجود حاكم وأدواتٍ سياسيَّة تسعى لتطبيق النظام الذي تنتظم به الحياة، ونؤكِّد على ضرورة وجود الحاكم من أجل إقامة النظام بين أفراد الشعب وتنظيم الحقوق والواجبات، ويشرع التصدِّي للحكم إن كان السبب وسيلة لإحياء الدولة وإصلاح الرعيَّة وإقامة النظام وإحقاق الحقوق وتنفيذ الواجبات، وألّا يكون غايةً يسعى إليها الحاكم من أجل التّسلُّط على رقاب النَّاس، أو من أجل كسب مغانم من وراء السيطرة على مقاليد الدَّولة، فبالتالي أنَّ السلطة مهما علا شأنها وعظم خطرها لا قيمة لها مالم تقم الحقَّ وتدفع الباطل، وبغير ذلك تكون بلا قيمة أو منزلة، وهنا محط الكلام فإن أول ما يجب على الحاكم فعله هو الكشف عن ذمَّته الماليَّة وممتلاكته أمام النَّاس، لكي يتسنَّى للجهاز الرقابي أو عموم الرعيَّة مراقبة نمو ثروة الحاكم، فإذا كان النمو طبيعيًّا كان هذا الحاكم مراعيًا للأصول في أموال الشعب، وأمَّا إذا كان بغير ذلك فهو سارق خائن، وقد طبَّق ذلك عمليًّا، لذلك فإنّ السياسة لا تستمد مقوّماتها من الحفاظ على الذّات وعلى مصالح الحاكم وأُسرته، لم تكن قط السياسة أفعال وردود الأفعال، وحسابات الأرباح والخسائر للحاكم وآله وبطانته... هذه السّياسة التي تحمل روح الطيش والغريزة، يجب توجيهها بعقليّة بين مزيج من روح الغاية وروح التّجارة.
-سعة الصدر-
سعة الصدر تؤدي إلى تحمل المصاعب والمتاعب التي تواجه المتصدي لمنصب الرياسة، أيّ هي التي تمكنه من رياسة الناس وسياسة أمورهم بما يحقق المنفعة العامة لهم، بكن يجدر بنا القول إن صاحب السلطة السياسية وإنّ تمثل ذلك بالحاكم نفسه وهو في أعلى سلم السلطة في الدولة، لا يجب أنّ تكون له طاعة إذا كانت طاعته تؤدي إلى الإخلال بالنظام، ويجب بلورة صفاته التي تدل على السماح بحرية البيعة له، وعدم أخذها بالقوة والعنف.
-نافذة زمنيّة-
إنّ السّياسي الأمين على قضية مجتمعه، يعيش في أبعاد الزّمان كلّه، ماضيه وحاضره ومستقبله، ويتعامل مع حقائق الماضي، وواقع الحاضر، وآمال ومخاوف ومطامح المستقبل، يقود بحذر لا يبلغ الجمود ومغامرة لا تبلغ التّهوّر، يُذهِب بمجتمعه نحو آفاق جديدة دون أن يبتر استمراريّته وبعده في الماضي.
-دواء لو ينفع-
وأقول هذا إثر موجة التغيير، التي تطرأت علينا منا في عصرنا هذا، التغيير الّذي يستهدف استئصال جذورنا لقذفنا في الفراغ تحت شعار، ريادة المستقبل، جاعلين منا ساحة لتجربة النّظريات والأفكار الّتي توضع في مراكز الحضارة الحديثة في أوروبّا وأميركا والاتّحاد السّوفياتي، ولنكن أكثر واقعية، يجب أنّ تنبع سياستنا من تكويننا، العقيدي والحضاري والثّقافي، لتكن أشدّ ملائمةً لمصالحنا في الحاضر والمستقبل، لكي نستمتع بدورنا الّذي نطمح إلى استعادته لنساهم به في إنقاذ الإنسان الحديث بتقويم الحضارة الحديثة، وتصحيح مسارها نحو وضعيّة ملائمة لتكوين الإنسان حسب هويته.
إنّ هذا القمع يعزز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التّمرّد والرّفض، فالبتالي إنّ الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتسع مساحة الفئات الإجتماعية الّتي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أن تبلغ الذّروة الّتي ينهار عندها العهد إذن البشر لا يتوقفون عن صنع التأريخ، لكنّهم قد يصنعون تاريخهم في حال السّلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتّوتّر.
وليس هناك استدلالاً على هذا، من الظّروف السّائدة التي تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدّامي في المواجهة، لقد تسببت أخطاء الحكم في عهدنا بخيبة آمال فئات واسعة من المواطنين وغضبهم. وقد أدّى انبعاث هذه القيم إلى تعارض في المصالح بين ممثلي هذه القيم وبين أكثرية المواطنين الّذين كانت تغتذي نفوسهم بالآمال الّتي تولدها الخطابات السياسية المنادية، دائماً بالعدالة الخالصة والمساواة... هذا التعارض المأساوي الّذي ما زالت تغذيه أخطاء الحكم والسياسات، فتراكم كلّ ذلك على مدى سنين، واتسع إلى أن شمل حواضر الدّولة كلّها، ما أدّى في النّهاية إلى عاقبته الوخيمة وثمرته المرّة، ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، إنّ الحاجات الّتي يفتقر إليها النّاس والآمال الّتي تعمر قلوبهم أكبر بكثير من حجم الإمكانات الّتي توفرها مؤسسات الدّولة، وأن حجم المعوّقات الّتي يمثّلها رموز العهد الماضي والحالي وقواه الّتي شلّتها الثورة أو بالأحرى بلورتها اضطرت إلى الإنكماش... إنّ حجم هذه المعوّقات كبير وخطير، لأنّها مستشرية في جميع مراكز السّلطة.