ومرّ قطار الوقت في رحلة العمر ولم يبق سوى القليل من السنين. نجلس بهدوء في محطة السكينة نتأمل بصمت مجريات الأحداث التي غدت من ماضينا. ماذا صنعنا في حياتنا؟ هل أنجزنا ما هو قيّم ومفيد لنا وللإنسان؟ وهل راض الله عزّ وجلّ عن أعمالنا؟ كم قضينا أياماً من الألم والعذاب! وكم من المرات انكسرنا وذقنا العلقم في حياتنا؟ هل عشنا مراحل من عمرنا في الذلّ والهوان والأحزان، وحُرمنا من تحقيق أهدافنا وطموحاتنا؟ كم من المرات كنّا مظلومين وظالمين؟ كم من المرات أهملنا ذاتنا الإنسانية وخسرنا من كرامتنا وجرحنا نفوس أعز الناس على قلوبنا؟ وهل فقدنا أعزّاء وندمنا على غيابهم وتمنّينا لو أنّهم يعودون إلينا للحظات كي نبوح لهم بحبنا ونطلب منهم السماح لكلّ أمر أسأنا به اليهم؟
إن كان غداً آخر يوم لنا في هذه الدنيا فكيف سنحيا هذه الساعات؟ وهل سنقيم مجدداً ما عشناه؟ هل سنتجاسر ونتجرأ على القيام بأفعال لم نقدم عليها سابقاً بسبب كبريائنا وغرورنا ونفتح باب المحبة والتسامح بفخر في أفئدتنا للجميع؟
لقد اجتزنا محطات كثيرة من حياتنا وأغفلنا أهمية وجودنا في هذا العالم وأهملنا كياننا وأحلامنا وكلّ نفيس غال خلقه الله في روحنا حتى أوشكنا على نكران قوة ربّ السماوات، وجمال ما خلقه فينا وفي هذه الأرض لأجلنا حتى سيطر علينا الشكّ والظنّ والتعجرف. أحياناً توهمنا بأنّ الرب والسماء من القصص الخرافية وأننا نحن الآلهة، ونحن من يصنع الواقع وندير العالم بأموالنا ونفوذنا وشهواتنا. ولكن حين تأتي الساعة نعلم جيداً حقيقة الخالق ومحبته وجبروته وأنّ كلّ شيء قمنا به في مشوار العمر زائل فانٍ، ولن يبقى إلّا ما غرسناه في روحنا وفي قلوب البشر من قيم وأخلاق ومحبّة وهذا ما يرضي الله حينما نلتقي بوجهه فنبسط له ما فعلناه من وزنات تركها لنا حينما ولدنا في هذه الأرض.