يُسَمَّى الأحد الثاني بعد القيامة "الأحدُ الجديد". لِمَ؟
والأسبوعُ الذي سبَق يُطلَقُ عليه تَسمِيَة "أُسبوعُ التَجديدات"، تلكَ التي مرَّت في حياة مُرافِقات ومُرافِقي يسوع الناصِريّ، الذي "ماتَ، وقُبِرَ، وقامَ في اليوم الثالث".
الصَدمَة لا تُوصَف إزاءَ مَوت هذا الذي "أحبَّهُم أوَّلًا" (1 يوحنّا 4: 19) وأحَبُّوه بِدَورِهم، وتَقاسَموا معَه ليسَ الخُبزَ والمِلحَ وحَسْب، بل والنَوم والقِيام، والحلّ والترحال، تَبشيرًا بِمَلكوت الله ومُعايَنةً لِأُمورٍ لم يَحلُموا بِها، ولا سبَق لهم أن خَبِرُوها أو عايَنُوها. جَرَّاءَ الصَدمة، وكأنّي بالوَضع قَد عادَ إلى "الخَواء" كَما في سِفر التكوين: "وكانتِ الأرضُ خَرِبَة وخالِيَة، وعلى وَجهِ الغَمْرِ ظُلمةٌ، وروحُ اللهِ يَرِفُّ على وَجهِ المِياه"(تكوين1: 1-2). إذَن هكذا، وبِلَمح البصَر اختَفى يسوع... انتَهى... أو حاوَل بَعضُهم وَضْعَ حَدٍّ لِما قاله وعملهُ، لِبِشارَتِه، لِإِنجيلِه: نعَم، "تآمرَ الرُؤِساءُ على الربِّ وعلى مسيحِه" (مزمور2: 2).
هذا يُذَكِّرُنا بِما يَختبِرُه كثيرون في عَيشِهم اليَوميّ. فَقْدُ إنسانٍ نُحِبُّه صَعبٌ، وقد يكون بِمَثابَةِ ضربةٍ قاصمَة لِلظَهر في بعض الأوقات، لا بل قد يطيحُ بِنا. أسبابُ الفَقْد لا تُعَدّ، لكن يُمكن تَعداد بعضُ الأقسَى بَينَها: مَوتُ طِفلٍ(ةٍ) في وقتٍ مُبَكِّر؛ حادِثُ سَيرٍ يُعرِّض أقرَب الناس إلَينا لِلشَلَل؛ إصابة قاتِلَةٌ لِعَزيزٍ(ةٍ) بالسَرطان .. إلَخ. لكِن كيف نُواجِه: هل نَستِسلِم؟ هل نَثُور؟ هل نستَوعِب ونتخطَّى؟
ما "الجديدُ"؟
إنَّا في "اليَوم الأوَّل"! وكَأَنَّنا في بدايةٍ جديدةٍ لَنا معَ الله (تكوين 1: 26)، كما أوضَحَ بولس: "إذا كانَ أحَدٌ في المسيح، فهوَ خليقةٌ جديدة: الخليقةُ العَتِيقَةُ قد مَضَت، وهُوَذا الكُلُّ قد صارَ جَدِيدًا" (2 قورنتُس5: 17؛ أفَسُس 2: 10).
في عَشِيَّةِ ذَلِكَ ٱليَومِ عَينِهِ (...)، جاءَ يَسوعُ ووقَفَ في ٱلوَسَطِ، وَقالَ لَهُم: *السَّلامُ لَكُم*"(يوحنّا 20: 19 و 20). هذا ما ارتآهُ لهُم: السلامَ (يوحنّا14: 27)، الذي فقَدُوه جَرَّاءَ مَوتِ المُعلِّم-"المسيح" الذي لا يَسُود عليه مَوتٌ" (أعمال 2: 27). وَعَدَ المُعلِّم بِأن "يَبقى مَعهُم"(متَّى 28: 20)، وقَد وفَى. هوَ يُريدُ لهُم "الحَياة الوافِرة"(يوحنّا 10: 10) لا بَل "حياةً أبَديّة"(يوحنّا 17: 3).
يسوعُ الواقف "في الوسَط" يَجمَع ويُقرِن ويُقَوِّي كلَّ مَن اجتمَع باسمِه (متَّى 18: 20)، مانِحًا السلام والجُرأةَ لِرُسُلٍ جُبناءَ خانُوا "الحبيب الأوَّل"، إذ لم يَقدِروا أن يَسهَروا معَه لا بَل أنكَروه وأَسلَموه من حيث يَدرون أو لا. إلَّا أنَهم -إذ نالوا "سَلامَه"- تَحَوَّلوا بَعد القيامة إلى أُناسٍ بذَلوا الغالي والنَفيس وشَهِدوا (أعمال 5: 18) لِهذا الذي "أحبَّهُم إلى الغايَة" وبَذَلَ نفسهُ لأجلِهم (يوحنّا 1: 13). لم تَعُدْ "الأبوابُ مُغلَقة" بَعد (أعمال 5: 19)، إذ حانَ وقتُ "الخُروج" (فِصحِهم): "... كَذَلِكَ أَنا أرسِلُكُم"(يوحنّا 20: 21). صارَ التلاميذ "أنقِياءَ" (يوحنّا 15: 3). لم تَنْتَهِ إذَن "الحياةُ" في قَبر.
ونحنُ، كيف نتَصرَّف عادةً أمامَ مُصابٍ نتَعرَّضُ له؟ هل نُحاوِل أن "نَفصَح" مع يسوع؟ هل نتذكَّر أنَّه "الألِف والياء" بالنسبة إلينا؟ هل نتَسمَّر وراء "الأبواب المُغلَقَة"؟ هل نبقى وراء قَضبانِ سِجن حُزنِنا وألَمِنا؟
"في اليَوم الأوَّلِ مِن الأُسبُوع" قامَ بِحرَكةٍ استثنائيّة ذاكَ "الناهِض مِن بَين الأموات"، ولكنّها طبيعيّة بالنِسبةِ إليه: "نَفَخَ فيهِم وَقالَ: *خُذوا ٱلرّوحَ ٱلقُدُس*"! كلامُه المُحْيِي هذا، وحرَكتُه المانِحَة روحَ الحياة، ليسَا بِجديدَين، لأنّه منذُ البَدء "نفَخ (الربُّ الإلَه) في أَنفِهِ نسمةَ حياة، فصارَ آدَمُ نفْسًا حَيَّةً"(تكوين2: 7). ها يسوعُ -"بِنَفخِه الروحَ القدَسِ" فينا- يَقتَرِنُ بِنا مُجدَّدًا وأبَدًا، "(يتَّحِدُ الزَوجُ) بِزَوجتِه، فيَصيرُ الاثنانِ جسَدًا واحِدًا. إنَّ هذا السِرَّ لَعَظيم. أقولُ هذا بالنِسبَةِ إلى المسيحِ والكنيسة "(أفَسُس5: 31-32).
"رَبِّي وإلَهِي"!
بعدَ مُعايَنَتِه للربّ القائم من بين الأموات، صارَ تُومَا إنسانًا جديدًا، ونحنُ معَه. أراد أن يَرى "مَوضِعَ ٱلمَساميرِ في يَدَيهِ، وَأَن (يضَع إِصبَعهُ) في مَوضِعِ ٱلمَساميرِ، وَأَن يَضَع يَدَهُ في جَنبِهِ، (كَي) يُومِن" (يوحنّا 20: 25)، غيرَ أنَّ عَينَيهِ امتلأتَا نُورًا من "الناهِض من بين الأمَوات"، فَعَادَ وصرَخ لِتَوِّهِ :"ربّي وإلَهي". كَفاهُ الصَوتُ الآمِن الذي سَمِعَهُ. فَصارَ تُوما-الرَمز ضمانةً لنَا: "طُوبَى لِلَّذينَ لَم يَرَوا وآمَنُوا".
سِمعانُ-بُطرس المُنكِر صارَ "راعيًا" لأخواتِه وإخوتِه على طلبٍ من المُعلِّم. تِلميذا عمّاوُس "عرَفاه عند كَسْرِ الخُبز" (لوقا 24: 30-31)، العلامة الفارِقة بالنِسبةِ لهُما. مريَم اعتَقدَت أنّهُ "البُستانيّ"، غير أنّه حينَ ناداها باسمِها، هتَفَت:"رابُّوني"(يوحنّا 20" 16). المَريَمات "انذَهَلنِ" (مَرقُس 2: 16)، لكنّهُنَّ أبلَغنَ التلاميذ بِما حدثَ لهُنَّ. و"في تِلكَ ٱلأيّامِ، جَرَت عَلى أَيدي ٱلرُّسُلِ آياتٌ وَعَجائِبُ كَثيرَةٌ في ٱلشَّعبِ"(أعمال 5: 12) وَلَم يَكُن أَحَدٌ مِنَ ٱلآخَرينَ يَجتَرِئُ أَن يُخالِطَهُم، بَل كانَ ٱلشَّعبُ يُعَظِّمُهُم"(أعمال 5: 13). وطالَ مَفعُولُ القِيامة "جَماعاتٍ مِن رِجالٍ وَنِساءٍ انضَمّوا بِكَثرَةٍ مُؤمِنينَ بِٱلرَّبِّ"(أعمال 5: 14) على شهادة المُحرَّرين: "امْضُوا وَقِفوا في ٱلهَيكَلِ، وَكَلِّموا ٱلشَّعبَ بِجَميعِ كَلِماتِ هَذِهِ ٱلحَياة" (أعمال 5: 20).
ونحنُ، هل طالَتنا "كلماتُ هذه الحياة" ؟ هل ترَكَت بَصْمَتها في أعماقِنا وحرَّرَتنا؟
"كلِماتُ هذِه الحياة... إِنَّما كُتِبَت لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يَسوعَ ٱلمَسيحَ هُوَ ٱبنُ ٱللهِ، وَلِتَكونَ لَكُم إِذا آمَنتُم ٱلحَياةُ بِاسمِهِ"(يوحنّا 20: 30-31). فَهَنِيئًا لنا جَمِيعًا "الحياةَ باسمِه".