انّه ابن بسكنتا البلدة الريفية التي تحمل كل ما تحتاجه روح الشاعر من طبيعة خلابة، ونسيم ينعش النفس، ومواكب من أشعة الشمس تجعلك تشعر بأنك على أدراج السماوات. لقد انتفض على نفسه، وعلى المجتمع، وجاب دول العالم ليجد ذاته ويفرض مبادئ فكره وروحه بدل أن يستسلم للتقاليد والأعراف البائسة، فسافر إلى روسيا، وإلى بلدان عديدة، كان آخرها الولايات المتحدة، حيث التقى بالكاتب الكبير جبران خليل جبران، وأسّس معه الربطة القلميّة ونصّا قوانينها، فكان من رواد النهضة الفكرية والثقافية. بعدها، عاد إلى بلده لبنان، واستقرّ في "الشخروب" قريباً من بسكنتا، ومكث هناك يتابع مسيرته الأدبية، منعزلاً حتى النفس الأخير، فلقّب بـ"ناسك الشخروب".
مخائيل نعيمة الشاعر والكاتب والناقد الأدبي أمطر على وطنه الثقافة والأدب والفكر الروحاني الراقي فكان مدرسة للأجيال الطالعة.
في قصصه سرد رائع، يرسم لوحة مشهدية بأسلوب كتاباته، فيجعلك تحيا الحدث وتتوق لمتابعة القراءة، كلما أتيت على جملة أو عبارة، فتتذوّق في كلماته مفردات مميّزة جميلة ونادرة، تطرّز المعنى المقصود وتُحيك أدق التفاصيل.
حينما تتصفح إحدى رواياته، تشعر أنك بطلها، وأن الأحداث التي نصّها تشارك أنت فيها؛ والأهمّ من كلّ هذا أنّك تجد نفسك أمام لوحة رسّام مبدع، بل تظن أنك أنت الرسّام والكاتب. وكلما قرأت تتعطّش للمتابعة حتى النهاية التي لا تتوقّعها أبداً.
هذا الأديب، الكاتب، العظيم، كان في نقده سيف الحق، ولهيب نار مقدسة، لا يعرف التهاون ولا التراخي؛ وهو الذي شبّه الناقد بالصائغ الذي يعرف التمييز ما بين الألماس والزجاج، وما بين الذهب والمعادن ذات البريق المزيّف، فلا يستطيع أن يساوم أو يساير ليعطي للزجاج صفة الألماس مثلاً.
حينما أغبّ من حروفه أشعر بعظمة وفخر، لأنني أجترع من أفكار مبدع كبير من بلادي. وكم أقف مشدوهاً مبهوراً أمام عظمة الأدب ومضمونه الفكري والوجدانيّ، وأمام ذاك التسلسل الرائع والوصف الدقيق الذي ترسم بريشة روحك وذهنك لوحته الراقية، من دون أن تدري.
والأهم من كل هذا أنه وهب أبناء وطنه فكر التحرّر والثورة على كلّ قيود تكبّل حرية التعبير، وتقسم أجناس البشر إلى فقير وغنيّ، إلى متسلط وضعيف...
كم نحتاج اليوم لمثل هؤلاء العظماء كي يستعيد لبنان عزته وثقافته وقيمه الراقية، وليرسموا لأبناء الوطن الدرب الصحيح نحو الإبداع والمهارات والمعنى الحقيقي للإنسان وعظمة الخالق وجمال الكون وبهاء الروح!