النهار

أغمض عينيك"... ارتقاء فنّي يؤدي إلى تجلٍّ للإنسانية بأبهى" صورها
المصدر: النهار - مريم أبو خضر
أغمض عينيك"... ارتقاء فنّي يؤدي إلى تجلٍّ للإنسانية بأبهى" صورها
أغمض عينيك
A+   A-
"شكراً لرفقاتي اللي علّموني إنه لحتى نحب حدا، مو ضروري نشوفوا بعيونّا، ممكن نشوفوا بقلبنا"، بهذا الإمتنان الواضح وبكثير من الكلمات المعبّرة، الخارجة من أعماق قلب إنسان مختلف، ارتقى أكثر باختلافه مع عائلته وأصدقائه، اختتم جود المسلسل الرمضاني "أغمض عينيك".
كان هذا المسلسل واحداً من عشرات العروض التي اكتسحت الساحة الفنية خلال شهر رمضان، من إخراج مؤمن الملا، ومشاركة نخبة من الممثلين، من بينهم عبد المنعم عمايري، منى واصف، وأمل عرفة، وآخرون كثر.
تناول السيناريو بحبكته الأساسية، الطفل جود، الذي يعاني من اضطراب طيف التوحد، حيث يقسم إلى قسمين، مرحلة طفولته وشباب من حوله، والأخرى هي شبابه وكبَر من حوله.
لقد كان المسلسل برمّته ولبّه يحاول تصوير كيفية الاعتناء والاهتمام بهذه الحالات الخاصة. كما سلّط الضوء من خلال الأدوار التي أدّاها الممثلون بعلاقتهم مع جود على كيفية التعامل معه من جانب سيكولوجي مختصّ، وكيفية دمجه بالحياة العامة والمجتمع، في عائلة دافئة، لا تخلو حياة أحدهم من الظلم والطغيان الذي يُمارَس عليه، والأنانية التي تغلب أشخاصاً آخرين إلّا أنّ ذلك لا يحول دون استمرار الحياة في ما بينهم.
أبطال المسلسل وحكاياتهم:
بدأ المسلسل بمواجهة حياة (أمل عرفة) والدة الطفل جود، مشكلة أمنية، تتطور وتأخد أشكالاً عديدة، بعدما لجأت إليها كوسيلة لتخلصها من واقعها، كامرأة وحيدة، وعليها أن تربّي طفلاً وحدها.
ليظهر مؤنس (عبد المنعم عمايري)، صديق العائلة، الّذي يحتوي جود في فترات غياب والدته عنه، فكان قد أثبت بدوره، أنّ الأب ليس البيولوجي منهم، بل الروحي، القادر على الحب والعاطفة والحنان اللامحدود. والذي كان يخاف وحدته، ويلجأ دائماً لجود، الذي أعطاه معنى لوجوده، ولوّن حياته بحسّه، بعد ما فشل ابنه الحقيقي في أن يتغلب على أنانيته رغم كلّ حبه له.
انطلاقاً من تركيز اهتمام المسلسل على فكرة الاضطراب، كانت هناك مراكز مختصة للعناية بالأطفال الذين يعانون من ذلك، وفيه تعرض كيفية العلاج، كذلك عدم تخصيصها الأطفال فقط باهتمامها، بل عائلاتهم أيضاً، لتعليمهم كيفية التعامل معهم.
وقام بهذا الدور يامن وصديقته سلام، اللذان كانا أخصائيين، وتابعا حالة جود تحديداً، حيث كانت سلام كأم لجود بغياب حياة. سلام، تلك الخارجة من جو عابق بالمشاكل النفسية، التي يصبح المشهد أمامها ضبابياً كلّما اقترب ناحية مشاعرها، كانت قادرة على حبّ من حولها ببذخ.
في هكذا جوّ، تم تسليط الضوء على فكرة العلاج النفسي ورفضه وما يتأتى عن كليهما. لينغمس الكاتب أكثر، بعرض نوعين من أشكال الأنانية، تلك التي تتجلّى بمحاولة الفرد سحق الآخر بظلمه وإيذائه، ليحقق حمايته أو أهدافه ويتجلى بدور سليم، كما هناك من يتّهم بالأنانية لأنه باحث دائم عن حريته، فيرى استقراره فيها، ويقيّده البقاء بفعل المكان والزمان، فكان زوربا، المليء بالحياة في داخله.
يخرج تدريجياً العمل عن الاعتيادي من المسلسلات، وعمّا بات كليشيه وطغى على فكرة السيناريوات. فكانت خطوة مميزة، الإبحار في عمق حالة نفسية، والتقاطها من كافة جوانبها، حتى الوصول فيها إلى خارج أبواب مراكز متخصصة، إلى دمج هؤلاء الأطفال، الذين سيمسون يوماً شباباً لهم أحلامهم وطموحاتهم، ليتمكنوا من دخول الجامعة وسوق العمل، وتكوين صداقات مع أشخاص لا يعانون من نفس اضطراباتهم.
كما لم يغفل، أم رجا، جدة جود، المرأة التي كان يتحكم بحياتها رجل معنّف، ترضخ له، ولا تتمكن معه من التعبير عن ذاتها وما تريده، رجل قابع بتابو التقاليد والعادات البالية، حتى يأتي جود ويغيّر من مسرى حياتها.
إضافة إلى أصدقاء جود، الذين تميزوا بصدقهم وحبهم له، وتشجعيهم الدائم لكي يستمرّ ويتطوّر بفعل امتلاكه مواهب يحتذى بها.
على لحن الإنسانية، أبدع كلّ من حضر في هذا العمل الفنّي الرائع. في ساحة تعمّ بالسوداوية، جاء "أغمض عينيك"، لتبحر بكلّ ما فيه بقلبك، فترى ما فيه ولو كنت مغمّض العينين. تتعلّم الحب مجدداً، وكأنها المرة الأولى، ترى الخيط الرفيع بين الخير والشرّ، وإلى أي حدّ يتقاربان ويبتعدان.
كيف تفقد أملك وتشعر بالعبثية، وتجده مجدداً؟ كيف تحاول في كلّ مرة؟ ربما الإجابة هي "أغمض عينيك". أحدهم يفعل ذلك دائماً، أحدهم سيكون جود يوماً ويبعث الأمل هكذا.
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ كل ذلك مبني على اهتمام الأهل الأوّلي بحالة ولدهم، والاستمرار بمتابعتها ودعمها، بعيداً عن التعتيم والاختباء خلفها ومعها وبها.



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium