ما الذي كشفته الدّولة عن جريمة باسكال سليمان أم ما الذي كشفته جريمة باسكال سليمان عن الدّولة؟!
الكلّ يسأل ما الذي كشفته الدّولة عن جريمة باسكال سليمان. سؤال مشروع وهو سؤال طبيعيّ جدًّا فالمواطن يعيش في كنف الدّولة وإليها يلجأ لحلّ الأمور والمُلابسات والقضايا لا سيّما القضايا التي تحتاج إلى العدالة والمحاسبة. ولذلك فالمواطن بانتظارالجواب وبالطّبع هو بانتظار نتائج التحقيقات.
ما كشفته جريمة خطف وقتل باسكال سليمان أنّ الدّولة حاضرة وهي قادرة. متى قرّرت، هي قادرة أن تستجيب وتتحرّك بالكفاءة المطلوبة والسّرعة المطلوبة، قادرة بأجهزتها وعناصرها وتقنيّاتها واتّصالاتها.
لذلك لن أسأل ما كشفته الدّولة عن الجريمة بل ما كشفته الجريمة عن البلد، عن المواطنين وعن الوطن الذي نبذل من أجله ذواتنا.
ما كشفه الخطف والجريمة أنّ الشرّ يتربّص بلبنان وهو لا يخشى نور النّهار ولا ظلمة اللّيل. يستبيح الأماكن والحُرمات. الشرّ في لبنان ينتهك الحياة والحقوق ويضرب الأمان ويستبيح ما استطاع في الأرزاق والأعناق والأحلام. الشرّ في لبنان ينكّل ويهدّد ما استطاع ليعرقل ويمنع الطموح الأهمّ والمشروع الأهمّ لدى كلّ لبنانيّ أصيل ألا وهو مشروع بناء الدّولة. لذلك نرى الشرّ بمواجهة قاتِلة مع كلّ ثابِت يستمرّ بالمواجهة والمطالبة والعمل من أجل قيام الدّولة القادرة بدستورها ومؤسّساتها وقضائها وجيشها.
مرّة جديدة، جريمة تخطف الحياة وتخطف معها أنفاس اللبنانيين وتكشف من جديد ما هو معروف وهو أنّ البلد مكشوف وهو بخطر وهو يتعرّض للاغتيال كلّ يوم. طرقات بلا رقابة، حدود مفتوحة ومكشوفة، عناصر وعصابات في الدّاخل، تعمل داخل الحدود وبعدها، مجرمون معروفون باسمهم، بأسلوب تنسيقهم وتحرّكاتهم، بتمادي إجرامهم وبمراكز احتمائهم ومع ذلك هم متروكون، يتحكّمون بالقدر دون الخوف من القضاء. يجتازون الكيلومترات ويعبرون الحواجز الشرعيّة دون خوف ويعبرون الحدود دون رادِع.
ما كشفته الجريمة أنّ الأمان بخطر لأنّ الأمن بخطر. كيف لا وأذرع الشرّ تسرح وتمرح مزوّدةً بما يلزم من الأسلحة؟! ينسّقون أعمالهم الإجراميّة ويؤمّنون لأنفسهم التغطية اللازمة داخل أرض الوطن أو عبر حدوده؟! هل يعقل؟ّ! هل من منطق أو ضمير يقبل بذلك؟! هل يعقل أن يدفع اللّبناني حياته ثمن هذه الفوضى وهذا التفلّت الأمنيّ الفاضِح؟!
ما كشفته الجريمة أنّ البلد يحتاج إلى ضبطِ الأمن وضبط الأمن يحتاج إلى قرار وإرادة وإدارة وأجهزة ومؤسّسات.
وسؤال يطرح نفسه لمَ على الإدارة والأجهزة والمؤسّسات أن تستنفر للعمل بعد الكارثة وبعد كلّ مأساة لا قبلها؟! طالما هي قادرة إن أرادت وقرّرت، لمَ لا تواظب على العمل استباقاً للكوارث وتفادياً للجرائم والمآسي؟! طالما هي قادرة إن أرادت وقرّرت؟ لم لا تواظب على العمل حفاظاً على حياة وأمن وأمان اللبنانيّ، كلّ لبنانيّ؟! لمَ لا تضبط الدّاخل ولم لا تقوم بالتنسيق اللازم لضبط الحدود؟! الجريمة اليوم أظهرت بشكل جليّ خطر الحدود السائبة وخطورة تركها على حالها فمن هذه المعابر غير الشّرعيّة يتمّ تهريب البضائع والممنوعات ومنها أيضاً يتمّ تهريب البشر أحياءً ربّما أو جثثاً هامدة كما حصل في جريمة قتل باسكال سليمان، مع الأسف والأسى.
لقد ظهر جليّاً أنّ لبنان في مهبّ الرّيح وأنّ ورشة العمل لإعادة تفعيل عمل المؤسّسات وانتظام عملها هي ضرورة ملحّة وهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للوطن-الدّولة وبالنسبة للمواطنين.
أمّا ما كشفته عمليّة الخطف وجريمة القتل عن اللّبنانيين فهي عدم الثقة والهوّة الكبيرة بين المواطنين. الفكر الوطني، الحسّ الوطني، الهويّة الوطنيّة، الولاء للبنان، النظرة للبنان-الدولة، قراءة الواقع، الرؤية للمستقبل، دور المؤسّسات، القضاء، الجيش، المخيّمات، اللاجئون والنازحون، قرار السّلم والحرب، السّلم الأهلي، السلاح غير الشّرعي بأيدي الغرباء أم بأيدي اللبنانيين... كلّها أمور تعود لتتجلّى مع كلّ مأساة ويتجلّى معها التباين الواضح في الآراء والمواقف والأولويّات لتبلغ حدّ الشّرخ الكبير بين أبناء الوطن الواحد. احتقان، تعب وغضب من التّمادي في الإجرام من ناحية واتّهامات وتخوين من ناحية أخرى ... لا المأساة جمعت ولا الحزن أو حرمة الموت وحّدت. مَن قتل؟ مَن نفّذ؟ مَن خطّط؟ كيف ومتى قتل وما هو الدافع الحقيقيّ؟ متى سيُضبط الأمن حفاظاً على الحياة؟ هل من حلّ أم ستبقى الأمور على مسؤوليّة القضاء والقدر؟ كلّها أسئلة يطرحها كلّ لبناني بعد كلّ جريمة غامضة وطرحها الآن أيضاً بعد خطف وجريمة قتل باسكال سليمان. ولكن بالطّبع، المواطن الذي يؤمن بالدّولة ويريد بناء الدّولة سيضع الأسئلة كلّها في عهدة القضاء والأجهزة المختصّة متأمّلاً أن تتحقّق العدالة وتتمّ المحاسبة. وكما لاحظنا بتحليلنا، إنّ نقاط الخلاف كثيرة والمشاكل متشعّبة وربّما موضوع مخاطر وتداعيات النّزوح السّوري، على أهميّته وخطورته، ليس الخطر الوحيد. الملفّات اللبنانيّة-اللبنانيّة كثيرة، شائكة ومعقّدة وكذلك هو ملفّ الوجود السّوري في لبنان. كلّها كالقنابل الموقوتة، تهدّد أمننا واستقرارنا. كلّ هذه الملفّات تحتاج لمتابعة مدروسة، حكيمة وسريعة، كلّها تضع الحياة والمستقبل على المحكّ وكلّها تحتاج إلى حلّ كي يسار لفكّ القنابل الموقوتة ولإنقاذ الوطن والمواطن من الفتنة والحرب ومن الموت المتربّص بنا.
هذا بعض ما كشفته جريمة خطف وقتل باسكال سليمان عن لبنان-الدولة-الوطن وعن المواطنين. ولكن هل ما كشفته الجريمة جديد ولم يكن معروفاً؟!
في كلّ مرّة، مأساة تليها مَوجة وعي ثمّ موجة تحرّكات واستنكارات ثمّ النّسيان إلى أن تنشّط الذاكرة مأساة أخرى.
فهل سننتظر وماذا سننتظر؟! التحقيق والعدالة والمحاسبة أم سننتظر أن يعيد التاريخ نفسه؟!