النهار

الردّ الإيراني: ليلة الرعب وتوازن الردع
المصدر: النهار - صبري الرابحي - تونس
الردّ الإيراني: ليلة الرعب وتوازن الردع
إنتظر الفلسطينيون أكثر من مائة وتسعين ليلة ليستكينوا إلى نومة موقتة عن هدير طائرات العدو فوق رؤوس الغزاويين، تعلقت رقاب سكان الضفة الغربية بأنوار مبهجة لصواريخ ومسيّرات لن تسفك دماءهم في غزة، بل كانت أبابيل على قتلة كل العصور.
A+   A-
إنتظر الفلسطينيون أكثر من مائة وتسعين ليلة ليستكينوا إلى نومة موقتة عن هدير طائرات العدو فوق رؤوس الغزاويين، تعلقت رقاب سكان الضفة الغربية بأنوار مبهجة لصواريخ ومسيّرات لن تسفك دماءهم في غزة، بل كانت أبابيل على قتلة كل العصور.
- ليلة الرعب:
لقد كان الرد الايراني على استهداف مصالحه وقياداته ومقراته متوقعاً جداً، لكن أغلب اختلافات المحللين تمحورت حول التوقيت، ففي حين رجح كثيرون تمادي إيران في تفكيرها بعقل بارد في ردّ الاعتبار والثأر لاستهدافها المباشر، توقع كثيرون أن لا يتأخر هذا الردّ رغم إكراهات توسّع النزاع وتغيّر المراكز.
هذا الردّ شكّل على ما يبدو ليلة الرعب التي لا نظنها مسبوقة في الكيان من حيث دخوله في مواجهة مباشرة مع عدوّ استراتيجي ذي وزن إقليمي مهم وخاصة لاعب ثانوي في عملية طوفان الأقصى.
إيران الغاضبة بدت أكثر حرصاً على استعراض مظلوميتها من خلال تصريحات بعثتها إلى الأمم المتحدة لتحصر هذه المواجهة في حدود ردّ الفعل، مؤكدة على قابلية الانخراط في المواجهة المتوازنة إذا ما اقتضت الحاجة وبالتالي نجحت إيران في كشف نوايا التهدئة لديها لقطع الطريق على مسارات توسع دائرة النزاع، واكتفت بفرض توازن الردع لا غير.
- توازن الردع:
لا يمكن الحديث عن توازن الردع دون تحقيق أدنى مستويات توازن الرعب وهو ما عملت عليه إيران تقريباً منذ دخولها في مسار مغلق لتطوير قدراتها النووية منذ سنة 2005 رغم الكلفة الباهظة لمشروعها من حيث الإنفاق والعقوبات الاقتصادية.
هذا التركيز على التسلح النوعي جعل عداوة الغرب والقوى الإمبريالية تتحول إلى عداوة حذرة منها خاصة بعد تواتر الأخبار عن تقدمها الباهر في مشروعها النووي، وهو ما جعل من التحليل السليم يفضي إلى أنها تحولت إلى قوة استراتيجية معتبرة في المنطقة تهدد الكيان الصهيوني والمصالح الأميركية في المنطقة وهو ما خلق توازن الرعب من جديد وأفضى إلى قدرات للردع تستعرضها إيران كلما تم تهديد مصالحها.
- المعادلة الإيرانية في المنطقة:
لم يعد يخفى على أحد أن إيران أصبحت تظهر بمظهر المارد القومي القوي في المنطقة الذي يحسن المناورة وإدارة الصراع بذهنية أباطرة الحرب الباردة.
الجميع يعلم نفوذ إيران في العراق وسوريا وجنوب لبنان إضافة إلى تشعّب علاقاتها مع الحوثيين في اليمن فضلاً عن علاقاتها الوطيدة مع فصائل المقاومة في غزة وأدوارها المحورية في عملية طوفان الأقصى.
بالمنطق البراغماتي تستفيد إيران من الصراعات الدائرة في المنطقة لتجعل منها الحديقة الخلفية لكفاحها ضد القوى الإمبريالية، لكن الظاهر أن الهدف الإيراني يتجاوز ذلك بأشواط كبيرة حيث إن المشروع الإيراني يقوم على رسم نظام عالمي جديد وبالتالي تتحول الصراعات الدائرة في المنطقة إلى أرضية خصبة لتحاول إيران قلب المعادلة وتحجيم السيطرة التاريخية لأميركا وحلفائها على المنطقة وفرض واقع أن إيران موجودة في المنطقة وأنها لن تسمح بتواصل الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط لتصل إلى فك عزلتها الجغرافية وتتحرر من الحصار المضروب عليها.
الأكيد أن الردّ الإيراني ستنتج عنه تحولات جذرية هامة والأوكد أن توازن الردع سيجعل من المنطقة صفيحاً ساخناً لمواجهات عدة مؤجلة، لكن المهم في كل ذلك أن ينام الفلسطينيون فوق أرضهم وأن لا تزاحم هويتهم وتجذرهم قنابل العدوّ.
...

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium