علم أحدهم ذات يوم عن أن الحارس الجديد لعقارنا مشكوك في أمره، فقال لي إن بعضًا من الشعور بعدم الأمان مفيد، ويمنحني تغييراً في حياتي الرتيبة، هكذا يخدع مظهري الهادئ الآخرين، مظهر في حاجة إلى قليل من الحياة والحركة والخوف. بعض الشعور!! أتقصد بعض الشعور بالأمان قد يمنحني قليلًا من النوم الهادئ، أو عدم الارتجاف من أي صوت بسيط لنافذة مجاورة، أو زوال الترقب عندما يحاول أحد من جيراني فتح باب منزله، بينما أنتظر إن كان هذا سارقاً يحاول فتح باب منزلي، فتمر أجزاء من الثانية ثقيلة كدهر.
أتريد مزيدًا من الحديث عن بعض من عدم الأمان..
مرت سنوات طوال وما زلت أخاف، أخاف من النوم بمفردي، يحرمني هذا منه لأشهر عديدة، أقضي ليالي أنكمش على نفسي، كل الأصوات حولي مصدر رعب، أشعر أنني كائن بحجم نقطة في محيط من الفراغ يبتلعني، فجأة تتسع جدران المنزل، يتسع بأكمله، يصير بحجم مغارة كبيرة داخل جبل بعيد.. بعيد جدًا عن أي شيء، يتمدد معه الظلام، محتفظًا بقبس ضئيل من نور المصباح الصغير الذي أتركه مضاءً ليلًا، ليضفي على المشهد مزيدًا من الرعب، عوضًا عن أن يمنحني بعضًا من طمأنينة. أخاف النوم كي لا أحظى بأحلام مزعجة، وأكثر ما يزعج عندما أنتفض فجأة للهروب منها، أنظر عن يميني ويساري، بحثًا عن أحد إخوتي، طوق نجاة من ذلك الغرق، لأواجه أكثر الحقائق رعبًا، لا أحد ينقذك لا من الغرق في رعب الحلم، ولا من مواجهة حقيقة أنك وحدك. يبدو الوقت الأنسب للنوم، عند بزوغ النهار، وتسلل خيوطه البيضاء تلون ظلام وظلمة الليل، ولكن سويعات قليلة ويجب أن أستقيظ للحاق بموعد العمل، والنتيجة ليلة أخرى ممتلئة بالخوف خالية من النوم، ليلة تلحق بها ليلة، فأسبوع، فشهر، فنصف عام أو أكثر متكرر الأحداث، تهرم معه صحتي، وينهار ما تبقى من أعصاب ما زالت تجاهد.
تعال معي لنواجه خوفًا آخر، خوفي الدائم من عدم اكتشاف جثتي بعد الموت في حال لم يتصل بي أحد لأيام وأسابيع، كيف سيدخل الجيران إذا اكتشفوا رائحة موتي، بالتأكيد سيكسرون الباب، لا أحد منهم يعلم كيفية للاتصال بأخوتي، ولا يرونهم يزورونني. وكثيرًا لا يردني منهم اتصال، آخر أرقام في تليفوني، للبواب، أو السوبر ماركت، أو ربما مكالمة من شخص غريب لا تربطني به صلة سوى العمل، أو قد يكون مندوب مبيعات، أو رقماً خطأ، وبالطبع الأرقام التي أتصل بها لا تتجاوز هؤلاء أيضًا.
خوفي من الموت وحيدة كثيرًا ما كان مصدرًا للسخرية، والاتهام بتعمدي العيش في قلق دائم، وبخاصة عندما ينصحونني بإغلاق باب المنزل من الداخل، وأبادرهم بالقول، ماذا لو حدث لي شيء، كيف ستفتحون الباب، حقًا لدى كل منكم مفتاح، لكن الأقفال بالداخل صلبة صعب فتحها، يتحول الأمر إلى مزحة على الفور "متخافيش هنتصرف"، أو عندما تكون محدثتي في الحوار ليست في مزاج جيد يسمح بالمزاح، تتهمني في ضيق، إنني أتعمد العيش في دراما مستمرة، أي دراما؟؟!! أنا لا أروي قصة فيلم أو مسلسل، أنا أحدثكم عن حياتي، سواء اعترفتم بتفاصيلها أم لا، فهي قائمة بكل الاحتمالات.
الشعور بالأمان لم يعد متاحًا بعد الآن..
ماذا عن الخوف من طريقة الموت، تسمعه في قصص كُثر تمر أمامك للغرباء، تطالعك بها يوميًا الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، بل وازدادت اقترابًا عندما حدثت لأحد الجيران في آخر الشارع الذي أسكن فيه. كأن يكتشفوا جثة أحدهم عاش طويلًا بمفرده، ثم مات بمفرده أيضًا لتحكم عليه الوحدة قبضتها بلا شفقة، قد تمر مثل هذه الأحداث بشكل عابر أمامنا، نقرؤها، ويراودنا شعور بالشفقة لثانية أو اثنتين على الأكثر، إلا أنها تستوقفني بشدة. هذه الأحداث جزء من حياتي اليومية أيها السيدات والسادة، قد أتجاهلها، أو أتظاهر بذلك، لكن آجلًا أو عاجلًا تبقى حقيقة إنها جزء لا ينفصل من حياتي، قد يكون مجرد توقع سيئ شرير متشائم، لكنه وارد.
ومع ذلك أخاف أن أُغلق باب المنزل بالأقفال وأنا في داخله، فهذا يزيد من توتري وترقبي بأن هناك ما يقلق، هناك خطر سيأتي لا محالة، إغلاق الأقفال يعني انعدام الأمان تمامًا.
أطرد كل هذه الأفكار الشريرة والمخاوف لأتمكن من العيش، لكنها لا تبرح أحلامي، فساعات النوم القليلة التي أحظى بها، تمتلئ بمحاولات دائمة لاقتحام منزلي من غرباء، أصحو متعبة من المقاومة، ومن النوم المرهق.
....