ثمة شعور ما يثيره حفيف ثوب ينذر باقتراب صاحبه منك، تراقبينه قادمًا من بعيد، تجبره المساحة الصغيرة وسط الزحام على المرور بجانبك، يملس على كتفك بطرف سترته، لا تعرفينه، لكنه صار الأقرب إليك، تشعرين بوجوده خلفك أو جوارك، فقط من حفيف ثيابه.
يبدأ اليوم بكونها أميرة يحاول الملك كسب رضاها بعقد من الأحجار الكريمة النادرة، يزيل عنها وهم أنها ستصبح مجرد واحدة من نسائه، لا يطلب منها شيئًا ولا حتى الابتسام في وجهه، شكوكها تتبدد رغمًا عنها أمام هذه الرقة غير المتطلبة. تنظر في المرآة، للمرة الأولى في حياتها ترتدي ملابس أميرة حقيقية، تلامس جسدها تلك الأنسجة الناعمة المرفهة، ينساب شعرها بنعومة تحت غلالة رقيقة تكسبها هالة الملائكة، وتاج يزيدها كبرياءً، وجدت على مائدتها زهرات فل وياسمين، كيف عرف الزهور المفضلة لديها!!
تلوح خيوط الغسق طالبة من النهار التنحي برقة جانبًا، محتفظة بعطر الياسمين الذي لا يتم شروق عبيره إلا ليلًا. يطل القمر تسبقه بعض السُحب، تفسح له مكانًا بين النجوم الملتفة حوله، يسطع بقوة، يتلألأ نوره في عينيها، حاجبًا عنها رؤية كل ما عداه، سرت رعشة طفيفة من البرد بجسدها، فغمرها بضوئه الفضي، تلون رداؤها الياسميني بلون القمر.
كتب الكثير عن سحر انزلاق الحرير على كتف النساء، عن حفيف فساتين تتهادى برقة، ناثرًا عطرًا ينبئ بقدوم امرأة لابد وأن تكون جميلة، كتبوا عمن يحتفظن بمناديل قماش ناعمة، مزيلة بزهور صغيرة، ما إن تلمس يدها حتى تتفتح وتنبت فراشات تطوف حولها. لكن لم يكتبوا عن ضوء القمر المغامر الغامر، القمر ليس كما يبدو منبعًا للضوء، إنما انعكاس لأشعة الشمس، يحجب حرارتها الحارقة، يحتفظ بها لليالي الشتاء الباردة، قلبه الصخري يذوب بين وريقات الياسمين، أيوجد أحق منه بالحب!!
عندما أشرق الصباح بنسمات لطيفة باردة أيقظتها رائحة أوراق الزهور المتناثرة على وسادتها، تزين خصلات شعرها، وقد حلت ضفائرها على كتفه القوي، متمددًا بجوارها، لا تذكر أيًا منهما بدأ واقترب، وإلى أي حد اقترب، كيف انحلت ضفائرها العنيدة، في خضوع واستسلام.
مغمض العينين، أمسك يدها في رفق، قبلها بشفتين ناعمتين، ما زالت آثار دفئهما على بشرتها، ارتعشت خجلًا، ورغبة في زيارة أخرى ليغمر القمر زهرتها الياسمينية المعطرة. تنسم نداء العطر، فتح عينيه في بطء يرتشف من حمرة وجنتيها، راويًا عطشه لشراب حلو لم يتذوق مثله من قبل. أهدته الشراب والعطر بسخاء، وعن طيب خاطر وامتنان، بعدما تفتحت بين يديه حدائق امرأة بداخلها لم تكن تعرف عن وجودها، وشاركته متعة الارتواء.
مثل هذا الرجل لا يتكرر مرتين، خطواته موسومة بالرحيل، لكن نظراته تقول...
"لا تقلقي، فقد ابتعد قليلًا، لكنك ستظلين أميرتي للنهاية".