هي الحياة محيطٌ شاسع، وقد أبحرتُ بشغفٍ من دون تردّد، ومن دون أن أسمح للعقل بأن يبثّ الخوف في أعماقي. لقد سافرت بقلبي وروحي من دون أن أبالي بهذا العالم، بعد أن غدَتْ عالمي وموطني الذي أنتمي إليه فقط، دون الكواكب والمجرات قاطبةً في هذا الكون!
رحلتُ تاركاً ورائي كلّ أرض وبشرٍ، فما عاد يعنيني أي أمر إلا هي؛ تلك التي أطلقت سراح أحلامي ومبادئي نحو الحريّة، وجعلتني أتنفّس بعد آلافِ السنين من السجن، الذي كبّل روحي ومشاعري، وأثمر اليأس في دروب حياتي. لقد ظعنت عن ديار كانت مقبرةً لطموحي، ومرمى لسهام المتنمرّين والمستبدّين بالنفوس، واتخذتُ من عباب قلبها بحراً لشراعي، بل غوراً من الماء الفرات أغوص فيه، فأكتشف فيه روحها الطيبة، وحنانها الفائق، حيث تختبئ كنوزٌ من الإنسانية والمحبّة والأخلاق، وتعطرتُ من شذى كيانها القوة والحكمة والرجاء.
لقد غمرتني واحتضنت كياني، وآمنت بقدراتي وأفكاري، ومزجت مشاعرها بكلّ أحاسيسي حتى غدونا معاً نفساً واحدة بجناحين نطوف بهما الدنيا تحت شعاع حبّ طاهر، نرفرف فرحين، نغرّد للقلوب العذبة أروع أنغام الحياة.
العمر لم يبدأ يوم أتينا إلى هذه الأرض بل حينما التقينا وسقينا أزهار روحنا الشجن الصادق، والصبابة المرهفة النقية، التي تفجّرت من قلبينا ينابيع عطاء وتضحية، فاتّحدت روحنا بطهارة وإيمان، وحلّقت حتى أدراج السماء، فوُلد رابط أبديٌّ لا يموت، ولا يمتّ إلى الماديات والشهوات بصلة، لأنه من روح ونور يشقّ ظلمات هذا العالم، وينسج الغسق في الليالي الحالكة؛ رابط لا يهاب البشر، ولا قوانينهم، ولا يتقيّد بالمسافات والأزمنة؛ فمداره يتخطّى هذه الدنيا، وقلبه أقوى وأكبر من مكائد هذا المجتمع وأحكامه المجحفة الغاشمة .
تويتر
فيسبوك
يوتيوب
انستغرام
مسنجر
واتساب
بريد إلكتروني
الطباعة
