منذ ألفي سنة، أقتاد رؤساء الكهنة بريئاً إلى الحاكم الروماني،
فغسل يديه ولم يشأ أن يصدر عليه حكماً.
ودفع جهل شعب هائج شاباً إلى الجلجلة، ورفع الصليب.
فقال العالم المتفرج: "إنها مؤامرة بشعة، ومأساة مؤثرة، وجريمة نكراء، ونكران جميل فاضح، وخنق ضمير مخجل".
فأيّ جهالة هذه؟
وما زال هذا العالم حتى يومنا مكتظّاً بالشر.
فنجد على كل درب ألف بيلاطس
وعلى كل مفترق ألف يوضاس
وعند كل منعطف ألف هيرودوس
وفي كل مكان ألف يهوذا.
نطرق باباً، فتستقبلنا سالومي،
وفي كل خطوة نقابل قايين الحاسد
وبعد عناء كل عمل ينتظرنا آتيلا المدمّر.
نكشف عن الأقنعة البشرية، فنراها كتيوفيل الذي باع نفسه للشيطان،
ثم ندم وتاب وصلى إلى العذراء مريم لتجنّبه منه.
يقولون عن ديانة بوذا إنها دين الاصلاح، وأبيقور دين اللذة، وتيمورلنك دين البطش، ونيتشه دين القوة، أما المسيحية، فوصفوها بدين المحبّة.
لكن جهالة البشر جعلتهم يفسّرون المحبة بأنها مرادفة للضعف.
أما الناصري الثائر فقد أرادها ثورة؛
ثورة ضد الكتبة والفريسيين؛ ثورة على الأنظمة المعوجّة والشرائع الفاسدة؛ وثورة على هيرودس وبيلاطس. فعاش ثائراً، وصلب ظافراً، وقام جباراً.
إن أكبر خدمة قدّمها الفريسيّون والكتبة والمسؤولون اليهود للمسيح والمسيحية كانت تعيينهم حراساً على باب القبر، لأنهم كانوا يخافونه حتى في قبره.
فلو لم يكن هناك حراس، ولو بقي القبر من دون حراسة،
لنالت كلّ إشاعاتهم تصديقاً من قبل الناس.
ولأنهم وضعوا حراساً على باب القبر، وقام يسوع منتصراً،
ووقع الحراس أرضاً على وجوههم من شدّة الخوف والرعب والزلزلة التي أصابت المكان، والنور الفائق للطبيعة يوم أحد القيامة، صار هؤلاء الحراس شهوداً على قيامة المسيح!
ونحن الشرقيين نعتمد التقويم اليوناني القديم للسنة التي حددها
الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر سنة 45 ق. م.
وحسبت فيه السنة 356 يوماً. وهو ما يعرف بالتقويم اليولياني.
وكلمة فصح هي من أصل آرامي "فسحا" و"فيساح" تعني بالعبرانية عبور، أي العبور من العبودية إلى الحرية والحياة الجديدة.
فكانت ثورته ثورة الروح على المادة، ثورة الحياة على الموت،
ثورة الخير على الشر، ثورة النور على الظلمة، وثورة الحق على الباطل.
هذا الناصري الثائر الذي قال للمرائي:"يا مرائي، أخرج أولاً الخشبة من عينيك وحينئذ تبصر جيداً، وتقدر أن تخرج القذى من عين أخيك".
هذا الناصري الثائر الذي رفض أن يخلّص نفسه عربوناً للتضحية العظمى!
قهر الموت ليعطينا إكليل النصر.
هذا الثائر الذي دخل إلى القبر أكفاناً، وخرج منه نوراً،
ومعه نحلّق بأجنحة من نور!
أرادوه صليباً يميت الضمير ويهزم العدل، فكان سلطاناً للحق إلى منتهى الدهور.
ومع أن يسوع نفسه بكى على قبر لعازر، فقد أقامه في بيت عنيا بعد موته بأربعة أيام وهو في أعماق القبر، قائلاً: "لعازر، هلمَّ خارجاً!".
وهذا برهان قاطع أنه ليس للموت سلطان على البشر.
فيا أيها الحزين... لماذا تبكي؟
المسيح قام ... حقاً قام!