النهار

زمن الثورات ولّى... إلا أن كدح البروليتاريا استمرّ
المصدر: النهار - مريم أبو خضر
زمن الثورات ولّى... إلا أن كدح البروليتاريا استمرّ
واليوم، تشاع ظاهرة البورصة في لبنان بشكل فوضوي وغير مشروع. حيث بات معظم اللبنانيين يعملون بها، في مكاتب غير شرعية، والتي تقوم بمعظمها على سعر الذهب مقابل الدولار.
A+   A-
بعد ما كان لبنان يرتكز على أساس واحد، وهو القطاع المصرفي، رغم كلّ الخلل الذي كان موجوداً والمكنّى عنه بالـ 1500 ليرة للدولار الواحد. إلّا أن ذلك وعلى الرغم من مرور السنين، دفع بفوهة البركان للانفجار أخيراً، حيث انهار سعر صرف العملة الوطنية، حتّى حلّقت المئوية الأولى، ثم استقرّت فيما بعد على 90 ألف لير،. ما أدّى إلى انعكاس ذلك على الحياة اللبنانية برمتها. وكان أوّلها اقتصادياً، بعدما فقدت المداخيل قيمتها وباتت عاجزة عن تلبية الحاجات الأساسية. فما كان أمام الشباب وغيرهم سوى الهجرة، التي طالت حتى أفراد السلك الأمني والقطاع الصحي وقسْ على ذلك.
أمّا من بقي من هؤلاء، فكان يعافر لمحاولة العيش. في الحين نفسه، الذي بدأت تتطوّر فيه ظاهرة التيكتوك وجني الأرباح الطائلة من ورائه. فتهافت الشباب على استخدام البرنامج لأيّ محتوى كان، ومهما كان مستوى فقدانه للمعايير، بغية تحقيق المزيد من الدخل.
واليوم، تشاع ظاهرة البورصة في لبنان بشكل فوضوي وغير مشروع. حيث بات معظم اللبنانيين يعملون بها، في مكاتب غير شرعية، والتي تقوم بمعظمها على سعر الذهب مقابل الدولار.
لم يجد الشاب اللبناني نفسه، في ظلّ ضيق الأطر حوله، غير اللجوء إليها.
كما أنّ البدء بهكذا لعبة يؤدي إلى التأثير النفسي بحيث يتعلق الفرد فيها، فيجد متعة في المرات الأولى بجني مبالغ كبيرة من المال. ثم ما يلبث أن تفلت الأمور عن سيطرته حتى يبدأ بخسارة ما قام بجمعه، أو أنه يواجه مصير يوم ربح ويوم خسارة.
وهذا ما يدفع بدوره سلسلة من المشاكل لتتوالى.
عدا عن الأثر الاقتصادي بشكل عام لها.
فهل يلام الشاب اللبناني على انجراره وراء كل هذا؟ أم أنه "عافى عالشاطر، الذي يحاول؟
في ظلّ انحلال المعايير، وتقاعس الدولة عن القيام بواجباتها تجاه أبنائها، ربما يبرر ذلك.
فالدولة التي ارتقت دولياً في دَينها وتكبّد الفوائد، التي باتت عاجزة عن سدّها. وبعد كل الفساد والنتوءات فيها، هربت منها رؤوس الأموال، فضلاً عن الاستثمارات الأجنبية، التي كانت ربما ستؤمن للفرد فرصة عمل.
رغم أن ما لا يخفى، أنه حتى في ظلّ الاستثمارات كان يتم توظيف المعظم بالمحسوبيات، لكن "الكحل أحسن من العمى" في بلد مثل لبنان.
فعندما تعجز الدولة عن تأمين فرص عمل، يتحتّم على المواطن اللجوء إلى أقرب فرصة تمكّنه من العمل، وذلك ضمن حدود العمل المشروع.
إلّا أن وجود قسم آخر يعمل حسب معايير فعلية، في ظلّ معاشات منخفضة، يجب إنصافهم إن رفضوا الانغماس في هذه المتاهة. ومع رفع الحد الأدنى للأجور، ذلك لم يؤثر، لأن صاحب العمل بقي متحكماً بالراتب الذي يعطيه.
كما أنّ عودة مشكلة النازحين السوريين للواجهة، دفع بالمنافسة الشرسة غير الشرعية بين اللبناني والسوري في سوق العمل إلى الواجهة. حيث بينت آخر الإحصائيات أن ما يزيد عن 100 ألف عامل سوري موظفين في كافة قطاعات الإنتاج، وبعد مضي سنة على هذه الإحصائيات، فبالتأكيد قد تضاعف هذا العدد.
كما أن عمالة السوري أوفر على رب العمل، لكونه يرضى بدخل متدنٍّ يكفيه مقارنة بحياته مع اللبناني، التي تكلفه أضعاف ذلك.
كما أن الموظف السوري لا يحتاج إلى تسجيل في الضمان الاجتماعي ولا يدفع ضرائب للدولة.
إضافة إلى أبناء الجنوب النازحين منذ ما يزيد عن 7 أشهر، من بدء الحرب وحتى اليوم، لم تبذل الدولة أي مجهود يذكر لتوفر لهم وظائف غير تلك التي غادروها.
فعدا عن استغلال الوضع لرفع الإجارات على القادمين من الجنوب، وبقاء معظم الطلاب بلا تعليم، ما يضاعف الأزمة هو نسبة البطالة المرتفعة.
في غياب تام لمجلس الجنوب، ووزارة المهجرين، أو شبه الحضور الطفيف، أهالي الجنوب يعانون في باقي المناطق، والدولة "حدّث ولا حرج".
هكذا يكون عيد العمال في لبنان، بحيث ينتفى عند البعض، ولا يجد فيه ضرورة الآخر، وقسم يحتفل به ببذخ.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium