عصابة الاغتصاب الجماعي للأطفال والمراهقين الذكور في لبنان ما هي إلا وجه من وجوه المجتمعات الذكورية التي تقمع المرأة وتعطي الرجل حرية مفرطة منذ نعومة أظافره. إنّ مفهوم السلطة الأبوية يتغلغل في الأسر العربية وحتى الغربية مع اختلاف النسب، لكن مجتمعاتنا لديها فوبيا من الأرقام والحقائق وتسمية الأمور بأسمائها.
لنتخيّل سوياً هذا المشهد: احتفال كبير لا بل مهرجان بولادة طفل ذكر في العائلة؛ طفل يولد من دون قيود أخلاقية، فهو لا يمتلك غشاء بكارة ولا يعيبه شيء، لأنه سيصبح رجلاً في المستقبل! وهنا تبدأ الكارثة الأخلاقية بحق الأطفال الذكور بداية من تنصّل الأب من دوره في التربية والتنشئة لأطفاله من الذكور والإناث إلى وجود تلك الأم ذات العقلية الذكورية وهي تمثّل عدداً كبيراً من الأمهات في المجتمعات العربية عامة واللبنانية خاصة. فالأم التي تمتلك عقلية ذكورية هي أخطر على أولادها الذكور من أولئك الإناث، لأنها شبه مغيّبة عن مراقبتهم وتربيتهم وتعتقد أنهم أقوياء ولا يمكن أن يكونوا فريسة لأحد، فهم ليسوا إناثاً!
أعداد ضحايا التحرش الجنسي بالأطفال تتزايد بشكل كبير وأغلب الحالات لا يتم الإعلان عنها أو حتى إبلاغ المراجع المختصة بها خوفاً من حكم المجتمع الذي سبب هذه المشكلة أصلاً. أكثر من 100 حالة تحرّش، وتعنيف، واغتصاب، طالت أطفالاً لبنانيين ومقيمين منذ مطلع العام 2023. إضافة إلى ذلك، يوجد تغييب لمادة التربية الجنسية عن المناهج التعليمية في لبنان تماماً كتغييبها عن المسار التربوي لمعظم العائلات اللبنانية التي تعتبر الحديث عن الجنس والأعضاء الجنسية محرّماً و"عيب" مع الأطفال والمراهقين/ات، وبذلك تستحوذ وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيرها التافهين/ات على تدجين عقول الأطفال والمراهقين/ات وتستولي على مسار تنشئتهم/ن، خاصة الذكور منهم (فلا رقابة على الرجال الصغار).
ذكورية الأهل ترفض الاحتضان:
نحن مجتمع يلوم الضحية، نرفض الاعتراف بالتقصير ونعشق سياسات الترقيع و"لملمة" الفضيحة. أحد الأطفال المتضررين من عصابة الاغتصاب الجماعي في لبنان أخبر والديه بما حصل معه، فماذا كانت النتيجة؟ اتهم الأهل الطفل بتخلّيه عن رجوليته ومن ثم تم الإبلاغ عن تلك الجريمة. في الحقيقة، إنّ الجريمة الأصعب في حق الطفل هي عدم احتضان أهله له واعتباره مسؤولاً عن التحرش أو الاغتصاب أو حتى عدم تصديقه إذا كان المعتدي من الأقارب مثلاً. إنّ غياب الثقة والروابط العاطفية والإنسانية بين الأهل والأولاد يساهم في زيادة الخوف لدى الأطفال من إبلاغ الأهل عن أي تحرش أو اغتصاب، وبالتالي تراكم الاضطرابات النفسية في المستقبل.
أثر العقلية الذكورية على المجتمع:
لنأخذ مثلاً مجموعة الأطفال (العدد المعلن ثلاثون طفلاً ومراهقاً حتى الآن) الذين تم اغتصابهم من قبل التيك توكر جورج مبيض وعصابته المؤلفة من أكثر من عشرين مجرماً. إذا لم يتم احتضان هؤلاء الضحايا من قبل أهلهم ومحيطهم ولم يخضعوا لجلسات طويلة من العلاج النفسي ولم تتم محاكمة المعتدين، ماذا سيحصل برأيكم/ن؟ بحسب فرويد، المؤسس لمنهجية التحليل النفسي، إنّ طفولة الإنسان تحدد جزءاً كبيراً من مسار حياته عندما يصبح ناضجاً وتؤثر على سلوكياته وشخصيته وأي حدث أليم في الطفولة إن لم يُعالج سيؤدي إلى إضطرابات ومشاكل نفسية مدى الحياة. يمكن لهذا الطفل الذي تعرّض للاغتصاب ولم يُعالج أن يصبح عنيفاً تجاه الآخرين أو حتى تجاه نفسه، ويمكن أن يتحوّل إلى معتدٍ أو أن يصبح شاذاً أو عاجزاً على المستوى الجنسي. والاحتمالات كثيرة تعتمد على الحالة النفسية للعائلة، مستوى الأخلاق والتربية، قدرة الفرد على التحكم بغرائزه وإنفعالاته، الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلخ.
الأخلاق ليست جندرية:
المطلوب اليوم من الأمهات والآباء تربية الذكور تماماً كما الإناث، ربما للمرّة الأولى أطالب بمساواة الرجل مع المرأة في هذا الموضوع وليس العكس. يفتقد الكثير من الشباب المراهقين في مجتمعنا إلى الحماية من قبل الأهل والتربية على الأخلاقيات وكيفية المحافظة على شرفه وحماية نفسه من المخاطر المحتملة. هل سمعتم/ن يوماً أمّاً أو أباً يعلمون ابنهم كيف يحافظ على شرفه؟! كل ما يعرفه الرجل في مجتمعنا أنّ شرفه لا دخل له بجسده، بل بجسد أي أنثى من عائلته، وبالتالي فجسده متاح للآخر، أيّاً كان ذلك الآخر. التربية السليمة تقتضي الإحتصان، العناية، المتابعة والمراقبة، وعدم إستخدام العنف لزرع أساسيات الأخلاق وتعليم الأطفال على بناء درع نفسي وأخلاقي لحماية أنفسهم/ن من أي إعتداء. في المقلب الآخر، يُربّى الطفل الذكر على تقديسه "للقوّة القضيبية" أي أنّه يمتلك إمتيازات بيولوجية تخوّله من القيادة المطلقة، الفوقية، الإستقواء، واللّذة في ممارسة العنف (لفظي، جسدي، جنسي). تظهر إنعكاسات هذه التربية المتطرفة في سلوكيات بعض الرجال، خاصة إذا ترافقت مع انحرافات أخلاقية تعتبر كل ضعيف (بشكل بديهي الأطفال) هدفاً محتمل لممارسة القوة القضيبية عليه.
الأخلاق تكمن في قدرة الإنسان على التحكم بقدرته، في إدراك حجم المسؤولية الإنسانية العملاقة التي تترتب على الأهل تجاه أولادهم، في وجود مناهج دراسية للتوعية في مجال التربية الجنسية، في إقرار وتفعيل قوانين تحمي الأطفال من العنف الأسري والإعتداءات الجنسية، وفي إخضاع كل رجل وإمرأة يريدان الإنجاب لدورات تأهيلية تمكنّهم من الحصول على درجة أب وأم.