*اليوم كَما في الماضي الغابر يَصرخ الإنسان المُتألِّم جرَّاء المَظالم والكوارث التي يُلحَقها بعضُهم بالعالم: "خَلِّصني يا رَبُّ فَإِنَّ ٱلبارَّ قَد فَنِيَ، لِأَنَّ ٱلحَقيقَةَ قَد ضَعُفَت عِندَ بَني ٱلبَشَر". فهل ضعُفَت الحقيقة فعلَا عند بَني البشر، ولِمَ؟
قد تكون النِسبيّة كَتَيّارٍ فلسَفيّ سَببًا لِضعف الحقيقة في التَعامُل اليّوميّ.
إلَّا أنَّ غِياب "التربيَة على الحقيقة" مَنذ الصِغَر يترك فراغًا مُرِيعًا جرّاء عدَم الرُكون إليها، ويُوقِع المرء في مطبّاتٍ... هو والعالم بِغنى عنها.
وأحدُ الأسباب هوَ السُكوتَ على اِلمُتحَكِّمين بالقرار في "المُجتمَع الدُوَليّ" الذي بُعتبَر جريمةٌ يُحاسَب عليها. بينما "في وَقت الخداع العالميّ يُصبح قَول الحقيقة عَملاً ثَوريّا" لأن "هذه هي طبيعة الحقيقة التي تستمدّ قوّة أكبر وَسَط الصُعوبات".
أساليب الكذِب لِحجب الحقيقة تُؤَدِّي إلى جَعلِ تِلك الحقيقة ساطعةً أكثَر. هكذا برَع طالبات وطلَّاب اميركا -بنات وابناء النُخبة (OCGFC) الَقابِضة على مُقَدِّرات العالم- في إشعال الثَورة الحقّ التي تتمسَّك بالقِيَم على "ثورة 1968" المَزعومة التي اتَّصفَت بالتفلُّت من الأخلاق. بكلمة، لقَد انقلَبوا على النظام الراهن انطلاقًا من أنّ: "نُصرَة الحقّ شرفٌ ونُصرة الباطل سرَف". لقد أَدخَلونا مُجَدَّدًا في زمَن "القوّة لِلحَقّ وليسَ الحقُّ لِلقوّة"، و"أكونُ حيثُ يكون الحقُّ ولا أُبالي".
شُكرًا لكُم يا شبابَ الحقِّ والرَحمة بالناس المظلومين إذ ناهضتُم الإبادة الجَماعيّة في غزّة، ويا خميرةَ كوكبٍ أنقى في خدمة الجميع بِلَا تَميِيز.
*"بسمِ اللهِ الرحمَن الرَحيم"! يا لَيتَنا نفتَتِح كلَّ ما نُفكِّر به وما نقول ونفعل بالبَسمَلَة، ونُتابِع كلّ ما نَعيشُه بِرُوحيّة البَسملَة، فيَستَحيل الكَوكَب مَطرَحًا تَلَذُّ الإقامة فيه لِكُلِّ الناس".
يا لَيتَنا نكون "رُحَمَاءَ" " مُقتَدين بالربَّ الذي حمَلَنا في أحشاءٍ رَحِمِهِ بِحُبٍّ ما بَعده حُبّ (إشَعيا 49: 15). إنّ"العيش على صورة الله يَفترض ارتدادًا داخليًا ورُوحيًا في الطاعة ليسوع". وإنَّ "الرحمة هي الوَصيّةُ العُظمى، التي تتفَوّق على الذبائح". لا بل إنَّ "كلمة الله الأخيرة هي للغفران"(روما 9:15).
*العمَى -من حيث أنّه أُمِّيَّة التفكُّر والنَقد: "إنتَ لا تفكِّر، نحنا منفكِّر عنَّك"- واللَّامُبالاة التي عبَّر عنها الأخوان رَحباني بـ: "إنتَ لا تِتدخَّل ، نحنا منِتدخَّل عنّك... طنِّش، طنِّش، طنِّش"، والبَصْم من أسوأ ما يُمكن أن نَبتَلي به في الحياة. وما يَحدث في عالمنا منذ نَيِّفٍ وقرنٍ دليلٌ على عمى"كثيرين" ولامُبالاتِهم تُجاه الوَيلات التي أصابَت وتُصيب كَوكبُنا. لا يُريدون أن يَفقَهوا ما يَجري من حَولِهم ولا المُبادَرة لِرَأْب الصَدْع، الذي تُتَرجِمه كلمة فيلِمُون وهبي: "قال جِحَا: خِربِت عُمرِت، طُلعِت نِزلِت، حايدِه عن ضَهري... بسيطه". يَأْبَون أن يتّحِدوا ويَضعوا مُخطَّطًا لِحِفظ العالم ولإفشال مُخطَّط الأشرار المُترَبِّصين بجميع الكائنات. طبعًا يجب الاعتراف بأن هناك مُنَظَّمات كثيرة فاعلة للتَخفيف عن المَقهورين والمظلومين، لكنّها لم تُكوِّن اتِّحادًا صَلْبًا لتَنمية حياة هؤلاء ووَقف نَزْف مَوارِد الكَوكَب بحسَب منهجيّة ݒاوْلُو فْرِيرِي.
لِمَ يَحصل ما يَحصل؟
- لأنَّنا نمُرّ بشكلٍ مُفارِق بِجانب أنفُسِنا، ولا نتَوقّف لِلدُخول إلى سِرِّنا لِنَعرِف أنفسناـ لا بل نحن نَجهل مَعنى ما نَعيشه. تتساءَلون كيف ذلك؟
- لأنَّنا نمُرّ بِالحقائِق الأجمَل والأكثر حياةً وجَوهريّة دُون أن نَلتَفِت إليها (ما مِنعَبِّرها)؛
- و لأنَّنا نمُرّ بِهذا العالم دُون أن نرَى رَوعَته أو نَفهم مَعناه؛
- و لأنَّنا نمُرّ بالآخَرين، فلَا نراهُم أو نتَجاهلَهم. وقَد لا نكتَشِف سِرَّهم الحقيقيّ أو رَوعَتهم الأصليّة.
- والأسوأ أن نمُرّ بجانب الآب-حُبّ حَياتِنا ولا نَراه.
- لأنّ الإعلام المأجور والمُرتَهَن والجَبان يَحجُب الحقائق ولا يُساهِم بِتَكوين رأي عام حَقيقيّ ومُنظَّم وتَغيِيريّ... ولكنّ الحقيقةَ لا بُدَّ وأن تَنجَلي. هذا ما ظَهَّرتهُ حركة الانتفاضة بِقِيادَة شباب الجامعات الأميركيّة.
في رِوايته للإنحيل يضَعُنا يوحنّا أمامَ مَشهدٍ يُعيد تكوينَ إنسانٍ بِأيدي صانِعٍ مُحِبٍّ وخَلَّاق تَمامًا كما في اليوم السادِس من عمليّة صُنْع الإنسان . قام يسوع بحركةٍ تغيِيريّة لصالح الأعمى فأبصر بِحيثُ كان لقاؤُه بيسوع-"نورُ العالم" مِفصلِيًّا. بَينَما مُعادَلة السلُطات الدينيّة تقوم على مُواجَهة "المواضيع الروحيّة -غالبًا- بعقليّة سِحريّة (ذات مَدلول قَضائيّ وأخلاقيّ)... الانسان حُرٌّ كما اللهُ حرّ". وكلُّ ما علينا التَحلّي به هو "العطف والرحمة" .
فهَل يُريد ناسُ الكَوكَب أن "يُبصِروا" وان يَرحموا بعضُهم بعضًا وأن يَشهدوا لِلحَقّ؟