هربا معاً نحو الغابة. هناك حيث السكون يتوهج بين الأشجار وقرب الينابيع، هناك حيث تلتقي بفراشات تقبّل الأزهار قبل الحياة لتحيا من جديد وتتناغم تغاريد الطيور مع خرير السواقي، هناك تنصت إلى الهدوء المقدس فتسمع صوت الله يتردد بين الصخور مع نفحات هواء الصباح المنعش.
صعدا نحو ربوة بعيدة وسلك كل منهما درباً مختلفة ثم التقيا معاً على القمة قرب سنديانة معمرة احتضنت في أحشائها أعشاش العصافير، ولفت بأغصانها مساحة كبيرة جعلتها مرتعاً جميلاً منعشاً للروح تحميهما من قيظ الشمس وتبرّد قلبيهما. بعفوية بريئة ممزوجة بالشوق والحنين عانقا بعضهما عناق الغائب المتشرد عن موطنه لسنين طويلة، وتشابكت الأيدي بحرارة ولهفة حب وجداني عظيم، ثم جلسا في ظل السنديانة العتيقة الرائعة يتبادلان هتافات قلبيهما، وتعالت أسراب من نظرات الهيام والجوى، فحلقت فوقهما ثم غاصت في أعماقهما فأزهرت مشاعر مرهفة سرت في الشرايين وتفجرت عند الشفاه أنهاراً من القبلات تروي قلبيهما من ظمأ لهاب قاتل فرضه المجتمع بقيوده الظالمة وأفكاره الرديئة المستبدة، افترشا الأرض واتكأت برأسها على كتفه تتنهد القلق والخوف ممزوجين بالشوق والصبابة، ثم شعّت أنوار الكلمات من حنايا الروح، ودار الحديث عن ألم الفراق وآهات الحنين، وعن الحواجز الاجتماعية التي تفرقهما. مرت لحظات من السكون بعد عاصفة اللهفة والتوق، أمسكت يده وحدقت في عينيه، فشع وجهه من ضياء مشاعرها وأزهرت شفتاه ابتسامة فرح ورضى، ثم غمرها بين يديه وفي قلبه مردداً أحبك يا ملاكاً به أحيا. هب نسيم حبهما الطاهر الذي ترسخ في الروح وغدا قوة لا تقهرها قوانين المجتمع، فما بينهما مشاعر مقدسة نبيلة يترجمها الفؤاد بمبادئ وقيم حفراها معاً تحت الأضلع، وجعلا منها معبداً مقدساً لرابطهما الثابت الخالد الذي ولد تحت أجنحة السماء، فتعمد بالصدق والإخلاص والنقاء، وتزين مهده من شذى الطبيعة وجمال زهورها وظلال أشجارها. مرّ الوقت بسرعة وخفت نور الشمس معلناً قدوم المغيب، فأدركا أن الليل قادم برداء الهلع والجزع وتنبها من رؤية أحد المارة لهما وخافا أن ينكشف أمرهما للناس ويصدرون الحكم القاتل عليهما، فوقفا مسرعين ببهجة مودعين بعضهما وفي قلبيهما شعلة انتصار للحب، وكما في أول اللقاء كان الختام الجميل بعناق طويل وعهد على البقاء معاً بالروح إلى الأبد.