لم أكن أعلم أن أصعب مهمة يمكن أن تقوم بها المرأة هي الأمومة، الأمومة جميلة نعم، لا بل هي من أجمل الأشياء التي ينعم بها الله على المرأة، لكن في زمنٍ كالزمن الذي نعيش فيه اليوم، الأم التي تفلح في تربية أولادها و إرشادهم يجب ان تُعطى وسام "المرأة الحديدية".
أدوارها في غاية الصعوبة: عليها أن تربي أولاداً في مجتمع لا يعرف معنى التربية، عليها أن تتثقف في مجتمع انعدمت فيه الثقافة، عليها أن تحمي أطفالها من العهر في عصرٍ متَفلت يصل فيه العاهر والعاهرة إلى عقر دارها يومياً، عبر منصات التواصل الاجتماعي.
في الماضي كان يطلق اسم العاهرة على المرأة التي كانت تقف على الطريق و تنتظر من يأخذها مقابل مبلغ من المال، أما في زمن أبنائنا فالعاهرات و المدمنون و الذين يمارسون سِفاح القربى، كلهم في متناول الشباب والأطفال يشاهدون سخافاتهم عبر منصات "التيك توك و الريلز"يومياً.
كم تبدلت الأيام و تغيرت الأزمنة ، كنّا نعيش في زمن يتباهى فيه أهلنا بقراءة الكتب والمقالات التابعة لهذا المفكر أو ذاك الباحث، وكانت الجريدة يومها لا تفارق أيدي الرجال، فهم يقرأون ويتابعون فكراً سياسياً معيناً، ويناقشون مقالة سمير عطاالله و جبران تويني وغيرهم من النخبة.
أمّا اليوم فانقلبت الآية: الجريدة و الكتاب أصبحا من الأشياء الـvintage”"، وخطفت وسائل التواصل الاجتماعي الأضواء كلها: أصبحنا نسمع بالراقصة نواعم و ناجي "اليوتيوبر"، و زواحف الـ"blogger"، وبدلاً من أن نقرأ عن إنجازات العلم و تطور الفكر السياسي، بتنا نتابع سهام و طريقة تكبيرها للشفاه، و أبرز ما تسوقته ابتسام اليوم من دار الأزياء، إضافةً إلى قيمة حذائها و سعر حقيبة يدها.
وأصبح المجتمع في سباق مزمن بين من يقتني الحقيبة الأغلى ثمناً ومن لديه عدد متابعين أكثر على صفحته.
و بات العالم يدور في دوامة عنوانها "بين الهبل والسخافة".
الخطورة في ذلك تكمن في تغيير جذري للذهنية و معها تغيير للنوعية التي بات ينتجها المجتمع.
فماذا ينتظرنا نحن الأمهات في تربيتنا لأجيال تعيش في عالم يديره الاغبياء؟
أي شريحةٍ من المجتمع ننتج؟ وأي وطن سيكون لنا في ظل تغييب دور المثقفين والذين يحملون أفكاراً إنمائية و سياسية و تعليمية تستفيد منها الأجيال الصاعدة؟
هل نسير مع التيار أو ننقد ما بقي لإعادة إحياء ما يفيد المجتمع والمساعدة في إنتاج فئة جديدة نأتمن عليها الأجيال الصاعدة؟
هل سنترك القشور و نغوص الى العمق الذي يعيد أبناءنا إلى السكة السليمة؟ لا شك أنّ المسؤولية كبيرة و صعبة و التربية أصبحت حملاً ثقيلاً على الأهل، لكن في إعادة ترتيب الأولويات و التوعية المتواصلة لا بدّ أن يحدث فرقاً.