"ٱلمَجدُ وَٱلكَرامَةُ وَٱلسَّلامُ لِكُلِّ مَن يَصنَعُ ٱلخَيرَ"
الخَير قيمةٌ كُبرى من القيَم الإنسانيّة التي تُعطي صورةً عن الإنسان الإنسان: "مَن يرَى الخَير فهوَ لا يرَى إلَّا ما في داخِل نفسِه". هذا ما نطقَ به أُناسٌ عاديّون وأكَّده الحُكَماء في ما تركُوه لنا من حِكَمٍ وتعاليمَ حوله: "استمرّ بفِعل الخير لأصدقائك فَيَزيدونكَ محبّة، ولأعدائك ليُصبِحوا أصدقاءَك".
أمَّا عمل الخير فهوَ كلُّ فعلٍ يَصدر مِن الفَرد بهَدفِ إسعادِ الآخَرين ومُساعدَتِهم دون انتظار أيِّ مُقابِلٍ، أكانَ مادِّيًّا أو مَعنَوِيًّا. من هُنا تُعتبَر خدمةُ الآخرين بَوّابةً لِلنمُوّ الروحّي بِحيثُ يَشعر فاعِل الخَير أنَّ فِعلهُ ليس واجباً بل مُتعَة بِما لهُ من فوائدَ: إذ يَنال فاعلُ الخير قلوبَ الناس ومحبّتِهم. ويعزّز بفعلِه هذا قيَم المحبّة والتماسُك والتكافُل في المجتمع، طارِدًا الحِقد والكراهيّة من النُفوس. وبِذا يُقَوّي العَلاقات بين البشر ويُساهِم في بِقاء الأُمِم بالنشاط التَنمَويّ المُستَدام للقضاء على الفقر والمرَض والتَشرُّد والعوَز. وينشَط في مجال تَنقِيَة النفْس البشَريّة بإذكاء المَيل إلى العطاء وبَذل الذات والتَفكير بالمصلحة العامّة والعمل على تَعميمها، فتَضمحِلّ السيِّئات التي تُفكِّك المجتَمع وتَجعل العَلاقات تَنهار. ويُخطِّط[ من خلال المنظَّمات الإنسانيّة التطوُّعيّة وبعض المنظّمات أو الحركات الكنسيّة غير المُسيَّسة وغير المَشبوهة.] فاعل الخَير لِلقَضاء على أمراض المجتَمع ومنها: الجرائم والسرقة والغِشّ وتَعاطي المُخدِّرات والإدمان على الكحول، فيُضاعف قوّة المجتَمع ومِنعَته من خلال تمكين أفراده وتَقويَة وَحدتهم وتماسُكِهم. فاعِل الخَير إنسان واعٍ يعمل مع سِواه للوصول إلى عالمٍ يليق بالبشَر، ولا يستَكين ولا يستَسلِم، ساعِيًا إلى مُبتَغاه مِثل"الصَوت اليَهوديّ من أجل السلام". فاعلُ الخَير لا يُمكِن ان يكون لامُبالِيًا أو مُهمِلًا تًجاه الظُلم والفَقر وإذلال الناس واستِعبادِهم بأبشَع الطرُق على ما هو حاصِلٌ اليوم. لأنّ فاعلي الشرّ يُخطِّطون عادةً ويتَضامَنون فيَستَبِدّون أكثر، ولنا في المنظَّمات ذات الصيتِ الذائع[ أهمُّها وأخطرُها الصهيونيّة، التي عبَّرَت عن مُبتَغاها من خلال "بروتوكولات حُكماء صهيون" وما تجرُّه على العالم من شقلبَة في القيَم وفي نشر "الفوضى الخلَّاقة" و"النظام العالميّ الجديد" الساعي إلى "حكومة العالم" الواحدة والوحيدة.] والمُتخصِّصة في افتعال الشرور وأصحاب الجريمة المُنظَّمة والمافيات والكارتيلات خير دليلٍ على استفحال الشرور في عالمنا.
لا يَرتبِط الخَير وفاعلِه بمَن يَدينُون بِعقائدَ سَماويّة أو أرضيّة، بل هوَ مطبوعٌ في داخِل كلّ إنسان."فَإِنَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذينَ لَيسَ عِندَهُم ناموسٌ (شريعةٌ ما)، حِينَما يَعمَلونَ طَبيعِيًّا بِما هُوَ في ٱلنّاموسِ، فَهَؤُلاءِ ٱلَّذينَ لَيسَ عِندَهُم ناموسٌ يَكونونَ نامُوسًا لِنُفوسِهِم، وَيُظهِرونَ عَمَلَ ٱلنّاموسِ ٱلمَكتوبِ في قُلوبِهِم، وَضَميرُهُم شاهِدٌ وَأَفكارُهُم تَشكو أَو تَحتَجُّ في ما بَينَها". في حين أنّ الناموسَ ضعيفٌ لكَونِه يَفتقِر إلى سُلطان تَغيِير قلب خاطئ. فهَل يَفقَه المُتَعصِّبون لدِينٍ[ لا يستطيع حِفظ الناموس أن يُخلِّص أحدًا (رومية 3: 20 ؛ تيطس 3: 5).] ما أو لعقيدةٍ ما؟ يا جماعةَ الخَير،"بِٱلمُستَقيمينَ يَليقُ ٱلتَّسبيح" والشُكر والمَديح !
"أللهُ هُوَ ٱلمُنتَقِمُ لي، وَمُخضِعُ ٱلشُّعوبِ تَحتي".(مزمور 17: 48)"
يقول أحد مُفَسِّر[ تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة.] المزمور 17 العدد 48: "إنَّ داود يَشكر اللهَ العادل الذي يَحفظ الأبرار ويُعاقب الأشرار، فكَما بارك داود ومجَّده، انتَقم أيضًا من أعدائه مِثل شاول، ونابال وأبشالوم وكلّ الأُمَم التي قامت ضدَّه. كيف هلكوا جميعًا؟" ويُضيف: "لم يَنتقِم الله فقَط لِداود، بل حوَّل الأعداء إلى أحبَّاء، إذ خَضعوا له، مِثل أبنير رئيس جيش شاول الذي تصالح مع داود، ومِثل الأمم التي قدمت الهدايا وخضَعت لداود". هذا التفسير يُناقِض الواقع حيث يَفرض القويُّ مشيئته كمُنتصِر والخاسِر يَمتثِل. وهذا لا يتَّفِق مع روح الإنجيل، إذ اللهُ لا يَنصُر فريقًا على آخَر. وحَول تفسير المزمور 94 (العدد 1-7)، الذي يَبدأ بِـ: "يا إله النَقمات، يا ربّ إلَه النَقمات أشرِق"، فيجِد فيه صُراخًا إلى الله لِيَنتقِم من الأشرار. في الحقيقة، إنّه صراخ كلّ مُستَضعَف مُستَسلِم يَنتظِر الحَلّ من آخَر يَستَقوي به[ "ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ. جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ" ] ويَستَفِزَّه ليَقوم بِما يجِب أن يَصنَعه هوَ ["يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَا رَبُّ، وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ". هناك مَن "يَستعمل" الله لإخضاع الآخَرين وإذلالِهم، سواء عن سُوء نيّة أو عن سَذاجة ... فهَل يَنحازُ اللهُ إلى طرَفٍ ضدّ آخَر؟ يختلف منطق الله عن منطق بعض المَوتورين والمُتَزمِّتين والسُّذَّج. إذا سُئِل والِد(ة) أيًّا من أولاده يُفضِّل، يُجيب:"هذه عَين، وتلك عين"، فكيف يُمكن لِلَّه أن يُميِّز بين خَلقِه؟ لقد كان يسوعُ حاسِمًا حين قال إنّه "يُشرِق (اللهُ) شمسهُ على الأشرار والصالحين، ويُمطِر على الأبرار والظالمين".
البُشرى السارَّة (الإنجيل) التي حملَها اللهُ الذي "تأنَّس" كانت لتَحريرِنا من مَقولاتٍ وتصوُّراتٍ تُسࢨ إلى الإنسان بِمِقدار ما تُسࢨ إلى الله وإلى العَلاقة التي أرادَ صَوغَها بَينَنا وبَينَه: "لا أَدعُوكم بعدُ عبيدًا، بل أصدقاء". وبِهذا المَعنى قال يسوعُ يومًا لسمعان وأخيه اندَراوُس: "إِتبَعاني، فَأَجعَلَكُما صَيّادَيِ ٱلنّاس. إتِّباع يسوع "الوَديع والمُتواضِع القلب" والذي "أحبَّ خاصَّته إلى الغايَة" "تُصيبُ" فيه شبكتُنا أُناسًا يُحبُّون ويَبغُون أن يُحَبّوا: "كَما أَحببتُكم، أَحِبّوا بعضكم بعضاً". مِن يسوع نتَعلّم الرَحمة وصُنْعَ السلام عَبر بناء الصداقات، وبِه نَقتَدي لنكون "كامِلين" في الحُبّ على غراره، هوَ الربّ والمسيح. وباتِّحادنا بيَسوع ندخُل في "زواجٍ بالربّ" أي في علاقةٍ حميمة مُمَيَّزة لا تَنفصِم عُراها ونَصنَع وإيّاه الخَير الذي يبني كَوكَبًا-قريةً كَونيّة بالمَعنى الحُلُو للقرية كما عرَفَتها البشريّة قبل عُقود.