يعيش لبنان أيامًا عصيبة خوفًا من الانزلاق نحو حرب إقليمية من جهة نتيجة الصراع العربي الصهيوني وخاصة بعد أحداث 7 أكتوبر والعدوان على غزة، ومن جهة أخرى حرب أهلية جديدة لا سيما أن الوضع في لبنان لا يحتمل أي تداعيات سلبية قد تؤدي إلى انزلاق الوضع إلى ما لا تحمد عقباه.
إن "خطر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان هو خطر دائم منذ بداية تأسيس الجمهورية اللبنانية، ومن الممكن أن تأتي أحداث نعتقد أنها عابرة لكن في النهاية قد تؤدي إلى تفلّت الأمور".
تواجد الجالية السورية في لبنان لا يقتصر على زمن بعد الثورة، وإنما يعود لعقود طويلة، شهدت ارتباط مصير البلدين ببعضهما البعض. في ظل الإمبراطورية العثمانية، تم تضمين لبنان وسوريا في كيان إداري واحد قبل أن يضع انتداب عصبة الأمم سوريا الكبرى العثمانية تحت السيطرة الفرنسية، بعد الحرب العالمية الأولى، ما أدى في النهاية إلى إنشاء دولتين قوميتين لبنان وسوريا. في هذه الأثناء كانت العلاقات التجارية والمدنية بين محافظات الأراضي الحالية في سوريا ولبنان طبيعية ونمت الروابط الإنسانية بعد ذلك. خلال الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، هاجر العديد من العمال السوريين إلى لبنان مع وصول الكاثوليك من حلب في الخمسينيات، حيث أصبح بعضهم مصرفيين وتجارًا أثرياء في لبنان. كما شغل العديد من رجال الأعمال السوريين تدريجياً مناصب مؤثرة في مجالات التمويل والعقار في البلد.
لكن العلاقات بين البلدين توترت، خاصة مع التواجد السوري في لبنان اثناء الحرب الأهلية التي عرفها البلد في سبعينيات القرن الماضي، والتي دامت زهاء خمس عشرة سنة، عاش فيها لبنان تحت وطأة توترات طائفية كان لها أثر عميق على البلد. ذات الحرب مكنت سوريا من التواجد عسكرياً في لبنان إذ كانت القوات السورية تشكل الجزء الأكبر من قوة حفظ السلام التابعة للجامعة العربية المرسلة إلى لبنان، قبل انسحابها سنة 2005، على ضوء قراري مجلس الأمن 1559 و1701 بشأن لبنان اللذين نصّا على احترام سيادة لبنان وسحب القوات الأجنبية، السورية على وجه الخصوص.
لكن على الرغم من التوترات السياسية التي شابت العلاقات بين البلدين في فترات مختلفة، فإن ارتباطهما اقتصادياً وعلى صعيد العلاقات الانسانية ظل وثيقاً. إذ لطالما اعتبر لبنان منفذاً هاماً لفائض العمالة السورية، حيث يقدر عدد العمال السوريين الدائمين في لبنان بنحو 300 ألف عامل ويرتفع الرقم إلى مليون عند تضمين العمال الموسميين الذين يأتون إلى لبنان للعمل في مشاريع البناء وفي القطاع الزراعي. فقد لعب العمال السوريون دورًا حاسمًا في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية.
يواجه لبنان أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية منذ عقود، حيث يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد حول العالم.
وبحسب تصريحات مدير عام الأمن العام اللبناني، فإن العدد التقديري للاجئين السوريين في لبنان بلغ نحو مليونين و100 ألف لاجئ، وهناك نحو 800 ألف منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ويشكلون ما يعادل 43% من تعداد سكان لبنان.
أما نسب توزيع اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية (وهي نسب غير رسمية) على الشكل التالي:
في البقاع يوجد نحو 340592 لاجئاً بنسبة 35.8% من تعداد المقيمين.
وفي شمال لبنان يوجد 247802 لاجئاً بنسبة 26.1% من تعداد المقيمين.
كذلك في بيروت يوجد 247713 لاجئاً بنسبة 26.1% من تعداد المقيمين.
أما في جنوب لبنان فيوجد ما يقارب 114227 لاجئاً بنسبة 12.0% من تعداد المقيمين.
لكن الطامة الكبرى هي الكلام الخطير الذي أدلى به وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين حيث قال إنّ المليار يورو المقدّمة من الاتّحاد الأوروبي إلى لبنان هي رشوة وشراء ضمائر، إذا كان الهدف منها إبقاء النازحين السوريين في لبنان، ولفت إلى وجوب توجّه النازحين السوريين إلى 194 دولة حول العالم، واعتبر أنّ قبرص برفضها استقبال النازحين تنتهك القوانين الدولية.
ووصم شرف الدين المفوضية الأوروبيّة بالعنصريّة، لأنّها لا تتحمّل وجود مليون نازح سوري في أوروبا، وقال، إنّ أوروبا ترفع ضرر النازحين السوريين عنها وترميه علينا في مخالفة صارخة للقوانين الدولية، ولفت إلى أنّ عددهم في لبنان بلغ ثلاثة ملايين، من بينهم أكثر من 20 ألف مسلّح يتقاضون رواتبهم من الجيش الأميركي وعلى استعداد للقتال.
الخلاصة
يعيش اللاجئون السوريون حالياً في لبنان مجموعة من التحديات مرتبطة أساساً بضعف آفاق الاندماج في المجتمع المضيف، نظراً للأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، وكذا بالنظر إلى ازدياد المخاوف محلياً من إمكانية تأثر النسيج الاجتماعي للدولة وتغير التوازن الطائفي فيها، جراء توافد عدد كبير من المسلمين السوريين إلى البلاد، في دولة لا يتعدى تعداد سكانها الستة ملايين نسمة، وفي ظل تراجع معدل الولادات بلبنان.
أضف إلى ذلك مزاحمة السوريين لأبناء البلد في شتى أعمالهم ولقمة عيشهم، ناهيك عن تسببهم بارتفاع أسعار إيجارات المنازل وسحب نسبة من العملات الصعبة خارج البلد وارتفاع معدل الجريمة وخاصة القتل والسرقة وتأليف عصابات نشل في شتى المناطق أغلبية أفرادها من السوريين (كان أبرزها الجريمة التي حصلت مؤخراً بخطف وقتل منسق حزب "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان)،
نحن كلبنانيين لا نحمل أي ضغينة أو حقد لأي أحدٍ كان بالمطلق ولكن وضع البلاد غير قادر على حمل الضغط الهائل والمخاوف الناجمة عن العدد الكبير جداً للاجئين (سوريين كانوا أم غير سوريين) نسبةً لعدد اللبنانيين المقيمين، فإذا استمر الوضع على هذا التصاعد فإنه ينذر بما لا تحمد عقباه.