النهار

عَيني... على المال؟
المصدر: النهار - الاب ايلي قنبر
عَيني... على المال؟
سِراجُ حياتي عَيني، أي فِكري النَيِّر ووَعيِي ونُموِّي العاطفي والروحيّ، عناصرُ تُنير طريقي لإقامةِ عَلائِقَ ناجحةً مع ذاتي ومع الآخَرين ومع الطبيعة بكُلّ ما فيه
A+   A-
بحسَب يسوع الناصريّ، "سِراجُ ٱلجَسَدِ ٱلعَين[ الكلمة الأصليّة في اللغة اليونانيّة هي απλούς وتعني بسيط، وغير مُرَكَّب. وقد يصل المعنى أيضًا إلى مجرّد من أي أهواء واشتهاء، وحتّى عدم إدانة الآخرين والحكم عليهم.]. فَإِن كانَت عَينُكَ بَسيطَةً، فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكونُ نَيِّرًا". العَينُ هيَ "مِثل النافذة التي مِنها نُطِلّ على الأشياء، ومِنها أيضًا يَدخل النُّور إلى كَيانِنا". لاحظوا: "العَين البسيطة  أو الـ Single Eye هي العَين التي ترَى شيئًا واحدًا في وقت واحد". قِبلتُها واحدة: "النور". لِهذا وُجِدَت: لتُبصِر النُّور. لِذا عندما قال الناصريُّ "إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يوحنّا 3: 19)، قد أصابَ. وحذَّر صاحب العَين الشرِّيرة، قائلًا: "إِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا، فَٱلظَّلامُ كَم يَكونُ مُدلَهِمًّا!" (متى6: 23).
في الحياة، إن لم نُحدِّد ماذا نُريد مِنها ولَها، أي إن لم تكُن لدَينا "الرُؤيةُ الداخليّة، رُؤيةُ النَفس"، فلَا "حياةَ" لنا. تُعلِّمنا الخِبرة أنّ مَن يَسير بِلَا بُوصَلة يَبتلي بالضَياع ويَتيه مع وَجهِه، رامِيًا المسؤوليّة على ما هو خارِجًا عنه على حدِّ قَول شكسبير[ في مسرحيته يوليوس قيصر.]: "الخطأ، أيها العزيز بْرُوتُس ليس في النجوم. إنّه في أنفُسٍنا". بَينما الذي يضع هدَفًا نُصبَ عَينَيه ويَعمل لتَحقيقه يصِل إلى مُبتَغاه، ويُصيب "الحياة الوافرة" ويَنعم بِما يجعل عَيشَه ذا معنى.
ما الذي يَجعله يَربح "الحياة الوافرة"؟
سِراجُ حياتي عَيني، أي فِكري النَيِّر ووَعيِي ونُموِّي العاطفي والروحيّ، عناصرُ تُنير طريقي لإقامةِ عَلائِقَ ناجحةً مع ذاتي ومع الآخَرين ومع الطبيعة بكُلّ ما فيها. وتَدفعني لِوَضع بصمتي -بصمة الخَير والحقّ والجمال والسلام- في ما أُقدِّم لِهَؤُلاء، وتُقَوِّيني في إعلاء بناء الكَوكَب ليكون لائقًا بالأجيال الحاضرة والآتية.
العَين البسيطة هي عينُ المَرء الذي يُجالس ذاته ويُحادثُها ويُصغي إليها بإمعانٍ وتَدقيق، ما يسمح له بِمُجالَسة أشباهِه ومُحادَثتِهم والإصغاء إليهم، فتَنجح عَلائقَهم ويَبنون مُجتمَعًا يُقدِّم للإنسان كلّ ما يَحتاجه ليَصِل إلى "الحياة الوافرة للجميع". مِن هُنا قَولُ الناصريُّ، وهو على حقّ: "إِن كانَت عَينُكَ بَسيطَةً، فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكونُ نَيِّرًا"، أو ما يُطلِق عليه العامّة " عمِلت عَين العَقل".
في حِين إذا كانت عيني شرِّيرة، "فَجَسَدُي كُلُّهُ يَكونُ مُظلِمًا". كيف تكون عَيني شرِّيرة، وكيف يُظلِم جسَدي؟
العَين الشرِّيرة هيَ عَينُ حاسِدٍ يعيش في ظلامٍ دامِسٍ لأنّ رُؤيتَه الداخلية سَوداء. الحسنات، إن لمسَها عند سواه فتجمِّل نفسَه ويَرتقي. "وأمَّا إن حسَدتَ، فلَا بدَّ لك أن تُحارب مَن تَحسدَه. أنتَ، عندَ ذاك، تَعيش في تمَرمُرٍ دائِم، تَجرحُ نفسَك بِنَفسِك"[ المطران جورج خضر، العين الشريرة، الأحد 20 حزيران 1999، رعيّتي، العدد 25].
تعرفون المثَل القائل:"عقلَك بِراسَك، اتنَين بِديروك". ولأنّنا نعيش في عصرِ الاستِهلاكِ المُتوحِّشِ وإعلامٍ قسمٌ كبيرٌ منه مُضلَّل ومُضلِّل لا سيّما "السُوشيل ميديا"، فنحن عُرضة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى لِلَّعِب على عينِنا وعلى لَاوَعيِنا عبر الرسائل المُموَّهة (messages subliminaux). هذه الرسائل قد تكون صُوَرًا أو كلماتٍ تُعرَض علينا لفَترةِ مِلِّيثانية[ Milliseconde ] فقَط بحَيث لا نستطيع أن نُعالجها بطريقةٍ واعيَة، ولكن يُسجِّلها عقلنا الباطن. ولأنّ أثَرها غالبًا ما يكون دقيقًا، يُمكن أن تَطغى على أفكارنا أو أفعالنا بأشكالٍ مُتَنوِّعة. تُحشَر الصورة المُموَّهة وحيدةً في فيلمٍ كمُحفِّزٍ بصَريّ لا نُميِّزه بوَعي، لأنّ فترة بثِّه قصيرة جدًّا، ولكن يُمكن للدماغ أن يَلحظَها. هذه الرسائل يُمكن ان تُؤثِّر في سلُوكاتنا ومَواقفنا دُون أن نُدرِك. فيُظلِم جسدُنا، ونَعمى ونقَع في حُفرة لا يُقيمنا منها إلَّا مَن عينُه بسيطة. بتَعبيرٍ آخَر، إن تكُن "بصيرتك باتجاه الأرض، فتَكون كما العَين التي أصابها السرَطان أو «مَيّ زرقا» وهو تكثُّفٌ في عدَسة العَين يَمنع الإبصار"[ المطران جورج خضر، العين الشريرة، الأحد 20 حزيران 1999، رعيّتي، العدد 25]، على ما كتبَه المطران جورج (خضر). إن استَهدَفتُ المال وما يتَّصِل به ("ماذا نَأكُلُ، أَو ماذا نَشرَبُ، أَو ماذا نَلبَسُ؟") ولازَمتُه ورذَلتُ القيَم والناسَ وسائر الكائنات والله، ماذا أَحصُد؟ لنُصغِ إلى ما يَحُثُّنا عليه الذهَبِيّ الفَم:" أن نَشهد عن حُبِّنا *لِلحُب[ 1 يوحنّا 4: 8]*" من خلال (زُهدِنا بالمال وما يتّصل به)... ويُضيف: "إنّ الشُّرور التي تُسبِّبها لنا الثّروات ليسَت اجتِذابَ السارِقين فحَسب، إنّما مَلء نفوسِنا بالظلُمات الكثِيفة أيضًا. فالجُرح الكبير الذي تُحدثُه هو إبعادُنا عن خدمة الرّب يسوع (وأحبّائه) وتَحويلِنا إلى عبيدٍ لسيّدٍ جامدٍ وفاقِد الحِسّ". نحن نفهَم هذا جيِّدًا لأنّنا في خضمّ المآسي والوَيلات التي خلَّفها ناهِبُو المال العامّ ومال المُودِعين من ساسةٍ ومَصرِفيِّين ورجال أعمال وتُجّار وأمنِيِّين ورجال دين. قُساةُ القلوب هؤلاء ضميرُهم مُغَيَّب وحِسُّهم مَفقود ورَحمتُهم في خبَر كان. أمَّا ايُّوبُ الشَهير فَكانَ ثريًّا؛ لكنّه كانَ يَستخدِمُ المال ولم يكنْ يَخدمُه. كان سيّدَ المال، لا عبدَه. لقد استَعمل خَيراتِه لكي يُساعد الفُقراء... كان يَعتبر خَيراتِه كمَخزنٍ يَقوم بإدارتِه وكان يَعتبرُ نفسَه مُوزِّعًا لِلخَيرات، لا مالِكًا لَها... لِذا، لم يَحزنْ قَطّ حِين خَسِرَها".
هل نفقَه الآن كلامَ السيِّد: "لا تَهتَمّوا قائِلين: ماذا نَأكُلُ، أَو ماذا نَشرَبُ، أَو ماذا نَلبَسُ؟ فَإِنَّ هَذا كُلَّهُ تَطلُبُهُ ٱلأُمَمُ، وَأَبوكُمُ ٱلسَّماوِيُّ يَعلَمُ أَنَّكُم تَحتاجونَ إِلى هَذا كُلِّه. بَلِ ٱطلُبوا أَوَّلًا مَلَكوتَ ٱللهِ وَبِرَّهُ، وَهَذا كُلُّه يُزادُ لَكُم؟"
وأنا، إلَامَ تَصبُو عَيني (بِشُو عَيني) ؟



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium