مجدولين تصرخ من جوف روحها من كل جزء من أجزاء داخلها. مجدولين فتاة بعمر الربيع لا تتخطى السادسة عشرة من العمر؛ تبني أحلامها البراقة من خلف واقعٍ قاسٍ لا يرحم أحباءه ولا أعداءه. تنظر من نافذة غرفتها التي تعتبرها مكان سلامها؛ منطقة الراحة. لكن كيف تكمن منطقة الراحة خلف قضبان وهمية تجعلها عاجزة عن الخروج؟ إنّما الخروج؛ تلك الخطوى التي تعتبر أصعب البدايات، الخروج من الذات، التقاليد والعادات المكبلة للازدهار، الخروج من الاكتئاب، الخروج من القطيع، الخروج من المنزل... في المجتمعات العربية تعدُّ مسألة الخروج من الإطار"ثورة"، فالثورة تصحّح لتعيد الأمورالخارجة عن نمط القطيع "من منظار المجتمع العربيّ" لمسارها مجدولين الفتاة العربية تكافح لتقوم بالأمور التي تريحها، أبسطها قراءة الكتب: الروايات. تسرح بخيالها تضع نفسها داخل الشخصيات حيث تجد السكينة والطمأنينة. تلك هو مكانها الآمن. مجدولين ترمز لكلّ فتاة تعانق أحلامها ليلاً وتستيقظ صباحاً تأمل بتحقيق ما قد يرسم لها الواقع وطموحاتها الصاخبة المليئة بالجرأة والألم. الحلم الأكبر عن مجدولين هو التعلّم لقبول الذات، فهي مهارة لم تعلّم في المجتمعات العربية، فعلى البعض التخبّط والغوص بطرق عير صحيّة لمعرفة ما يسمّى بحب الذات وقبولها، قد نتعلم مسائل أصعب كالرياضيات وقواعد اللغة العربية لكنّ احترام ما نحن عليه، ما نستحقه، ما يجب التعامل معه عند الصعاب. تلك الفتيات ستصبح يوماً من الأيام أمّهات لأطفالهّن، ما يصعب المجال أكثر لتصحيح أو تقبّل ما قد مرّت به خلال السنوات، تلك الأم ستنقل ما اكتسبته وتعلمته لأطفالها: الألم، الفرح، الخوف، حب الذات، التقدير، الاضطرابات... الرغبة الأساسية والعمل الأصعب بكسر الحلقة، والخروج! فالحياة هي أبعد وأعمق من الأكل والشرب، أبعد من السمعة والواجهة للشخص، أبعد من الأخطاء التي ترتكبها خلال السنين لمعرفة من أنت، فهي "لقاء". لقاء الحبيب: أي التحام أجزاء روحك الممزقة ببعضها بعضاً. ما أجمل الشعور باحتضان روحك بين يديك، الشعور بأجزائك ملتحمة مع بعضعها بعضاً، تشعر بأنّك أرض متماسكة يحلم كلّ من حولها باستملاكها، لكنّها أرض حرّة بكلّ ما تملك، ما تنجز، ما تعمل، ما تخطّط... إنّما الإنسان أثر يطبع بصمته متى جاء على الدنيا، لكلّ إنسان بصمة تختلف عن الآخر، لمَ التزوير؟ لمَ تقليد شيء لا يشبه من أنت؟ فقط ليتقبلك الآخرون، خوفاً من أن تكون أنت، على صورتك ومثالك، خوفاً من المجتمع؟ من العائلة؟ لماذا تريد أن تسمح للآخرين بتزوير أو ألصاق بصمات لا تليق بك. سيأتي يوم ستخرج حياتك عن النّصّ وعندها ستتعلّم الارتجال لتعلم ما يمكنك القيام عند الأوقات العصيبة. سامح نفسك على ما قمت به، اغفر لنفسك وحرّرها من القيود المكبّلة. توقّف عن جلد روحك والتعامل على أنّك ضحية طوال الوقت، وابدأ بالعيش وافرح من نجاتك. أحبّ نفسك أوّلاً لتزهر براعمك، تطير فراشاتك من داخلك وتحلّق بعيداً. مجدولين هي كلّ إنسان يبحث عن اطمئنان روحه القلقة، يبحث عن ميناء ليرسو زورقه، يبحث عن الضوء داخل النفق البعيد، يبحث عن الجزر المتشرذمة ليحبّها، يبحث عن الهدوء، وللثبات مهما ساءت الأيام، يبحث عن الحرية، يبحث عن هوية ضالّة بسبب الضغوطات، يبحث عن مكان للمكوث، يبحث ويبحث ويبحث... إلى ما لا نهاية. الفكرة صعبة، تهذّب نفسك ومشاعرك وردود أفعالك لتكون بأجمل حلّة وأبهاها عند الإلقاء. تلك الحرب التي لا يعلم أحد عنها، هي أشرس المعارك وأكثرها ألماً. استعدّ لها.