"ما أَعظَمَ أَعمالَكَ يا رَبّ، لَقَد صَنَعتَ جَميعَها بِحِكمَةٍ". هكذا يصِف المزمور[ 104: 24] صنائع الله. وإن كان هناك من إنسان لا يؤمن بالله، فلا يُعارض القَول إنّ الطبيعةَ لَعَظيمة في ما أوجَدَت. والناسُ الفاهِمون يَشهدون لصنائع الإنسان في مجالات العلُوم والإنسانيّات والتكنولوجيَا.
غَيرَ أنّ زمَننا صار مُرعِبًا، وتَحديدًا منذ بدايَة القرن العِشرين. لا بل نحنُ في عصرٍ كَثُرَ فيهِ اللَواتي والذين فقدوا القيَم في تعامُلِهم مع سِواهُم، وانحازوا إلى العُنف في التَعاطي مع أشباهِهم حِين يَختلفون وإيّاهم في أيِّ أمر، إلى درجةِ الانجرار إلى الحَرب المُدمِّرة والساحقة والشُاملة دون ان يرِفَّ لهُم جَفن. هذا ما يُسجِّلُه مثَلٌ أرمنيٌّ قديم إذ يقول:" إذا لم يجد هُناك مَن يَقتُله، يقتلُ اليَهوديُّ[ ليسَ كلُّ يهوديّ يقتل اباه، بل الصهيونيّ مَن يُمكن أن يُقدِم على جريمةٍ مُماثِلة. ذلك أنّه قد لايكون ذلك الأب هو والده الحقيقيّ أو قد لا يكون يَهوديًّا، وبالتالي يُبَرَّر قتله لأنّه "نجِس" بمَنطوق اليَهود، أي غير "طاهر".] أباه". هذه حقيقةٌ مُرَّة تضخَّمت مع نُشوء المنظَّمة الصهيونيّة العالميّة[ بالعبرية: הַהִסְתַּדְּרוּת הַצִּיּוֹנִית הָעוֹלָמִית] في أواخر القرن التاسع عشَر(1897)، وما بدأنا نَشهدُه من مُخطّطاتها بخاصّة منذ بدايات القرن العشرين حين ارتُكِبَت جريمةُ احتلال فلِسطين، وفي النصف الثاني من القرن العشرين حين افتِعال الحروب في شرق أوروپَّا وفي أفريقيَا وفي الشرق الأدنى وقيام انقلابات في جنوب اميركا أو أميركا اللَّاتينيّة، كما في افتِعال الأزمات الماليّة العالميّة (في بدايات القرن الـ20 وفي بدايات القرن الـ21) وفي مُحاصَرة الدُوَل التي لا تَخضع لِمآرِبها اقتصادِيًّا وإنمائيًّا، ومنها لبنان.
يُمَنّي الإنسانُ نفسَه بالسلام والهناء ورَغد العَيش، والنظام اللِّيبراليّ المُتَوحِّش والاستهلاكيّ يُغرِقه بالدُيون حتّى انقِطاع النفَس من خلال الإعلانات التي لا تُحصى، فيحتلّ الأوطان والمُجتمَعات ويُخضِعُها مُجدِّدًا نظام العُبوديّة[ مزمور 17: 48 "اللهث هو المُنتقِمُ لي، ومُخضِعُ الشعوبِ تحتي" و2 صموئيل 22: 48.] بإذلال الشُعوب. وصندوق النقْد الدُوَليّ والبنك الدُوَليّ لَخَيرُ دليلٍ على قَسوة اللِّيبراليّة المُتوَحِّشة وإذلالِها للناس في القرن الحادي والعِشرين.
في رسالته إلى الرومانيِّين يُعلِن بولس بالفَمِ الملآن: "إِنَّ مَيلَ قَلبي وَٱبتِهالي إِلى ٱللهِ هُما لِأَجلِ إِسرائيلَ لِكَي يَخلُصوا فَإِنّي أَشهَدُ لَهُم أَنَّ فيهِم غَيرَةً للهِ، لَكِنَّها لَيسَت عَن مَعرِفَة"[ "بالطبع هذه الأمور تستحقّ المَغفِرة، وليسَ الإدانة. إذًا، فإن كانوا مُتَميزين لا من الناحية الإنسانيّة، بل من جِهة الغَيرة لله، فمِن العَدل أن يُرحَموا ، بَدلاً من أن يُدانوا"(يوحنّا الذهَبيّ الفَم).](10: 1-2) لأنّهم "يجهلون بِرَّ الله" كما هوَ فعَل قبل اهتدائه إلى المسيح يسوع: لقد كانَ "يَنفُث تَهديدًا وقَتلاً على تلاميذ الربّ(أعمال 9: 1). نعم، هذا ما يُؤكِّدُه إرمِيَا النبيّ القائل: "اسمَع هذا أيُّها الشعبُ الجاهلُ والعديمُ الفَهم، الذينَ لهُم أَعيُن ولا يُبصِرون، لهُم آذانٌ ولا يَسمَعون"[ راجع أيضًا سورة يس: "إِنَّا جَعَلْنَا فِىٓ أَعْنَٰقِهِمْ أَغْلَٰلًا فَهِىَ إِلَى ٱلْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ" ﴿8﴾
](5: :21؛ مرقُس 8: 18). وهَم، "إِذ جَهِلوا بِرَّ ٱللهِ وَطَلَبوا أَن يُقيموا بِرَّهُم الخاصَّ، لَم يَخضَعوا لِبِرِّ ٱللهِ" أي "على الأرض السلام" بل ساروا في طريق الحروب على أشكالها. يقول مثَلٌ يونانيّ: "إذا تحدَّث اليَهوديُّ عن السَلام، فأعلَم أنَّ الحربَ قادِمة". بالرُجوع إلى تعامُلِهم مع يسوع وسائر الأنبياء ارتكبوا الفحشاء دونَ وازِعٍ أو رادعٍ ودون حُسبانٍ لِلعَواقِب:
- "يا أُورشليم، يا أُورشليم! يا قاتلةَ الأنبياء وراجمةَ المُىسَلينَ إليها، كَم مرّةٍ أردتُ أن أَجمعَ أولادَكِ كما تَجمعُ الدجاجةُ فِراخَها تحتَ جناحَيها، ولم تُريدوا ! هُوَذا بيتُكم يُتركُ لكم خَرابًا". أليسَ هذا ما يحدُث اليوم في فلِسطين المُحتلّة؟
- "في ذَلِكَ ٱلزَّمان، أَتى يَسوعُ إِلى وَطَنِهِ، وَكانَ يُعَلِّمُ ٱلجُموعَ في مَجمَعِهِم، بِحَيثُ بُهِتوا وَقالوا: "مِن أَينَ لِهَذا هَذِهِ ٱلحِكمَةُ وَٱلعَجائِب؟" لا بل في مرّاتٍ عديدة قصَدوا أن يقتُلوه[ يوحنّا 5: 18؛ لوقا 13: 31-35؛]، غير أنّه واصَل مسيرته التحريريّة:"لا بُدّ أن أُواصل مَسيرتي، اليومَ وغَدًا، لأنّه لا ينبغي ان يَهلٍكَ نبيٌّ في خارج أُورشليم". "وَكانوا يَشُكّونَ فيهِ"، يقول الإنجيل. فَقالَ لَهُم يَسوع: "لا يَكونُ نَبِيٌّ بِلا كَرامَةٍ إِلاّ في وَطَنِهِ وَفي بَيتِهِ، وَلَم يَصنَع هُناكَ كَثيرًا مِنَ ٱلعَجائِبِ لِعَدَمِ إيمانِهِم." ألَم يَقتُل اليَهود يسوع وكلَّ إنسانٍ يُناقِض أهدافهُم العُنصريّة والاستعباديّة؟
لِنُصغِ إلى ما يقولُه أغوسطينوس:"كانوا يَظنّون أنّهم يُقدِّمون خِدمةُ لِله بِذَبحِهم خُدّامه! يا لهُ مِن خَطأٍ مريع، عندما تَودّ أن تُسِرّ الله بِضَربِك مَحبُوبيه حتّى الأرض، وهَدْم مَذبح الله الحَيّ لِتأتي بِه أرضًا كَي لا يُهجَر الهَيكل الحجَري، يا لهُ من عمًى لَعِين! ... ما سقَط فِيه اليَهود يُمكن أن يَسقُط فِيه بَعض المَسيحيِّين" أيضًا فأيضًا.
أمّا نحنُ، فنَعمل بِمُوجَب:"*إ ِنَّ ٱلكَلِمَةَ قَريبَةٌ مِنكَ في فيكَ وَفي قَلبِكَ*، يَعني كَلِمَةَ ٱلإيمانِ ٱلَّتي نُبَشِّرُ بِها"، ونعترف بِفَمِنا بِٱلرَّبِّ يَسوعَ، وَنؤمن في قَلبِنا أَنَّ ٱللهَ قَد أَقامَهُ مِن بَينِ ٱلأَمواتِ، فسَنَخلُص".