كلّنا نطالب بالتغيير ولكنّنا لا نعرف حتّى الآن ماذا نريد أن نغيّر، طالما ألّا أحد يريد أن يقول حقيقة ما يحدث، أو أن يحدّد جدّيّاً المشكلة ويطرح الخيارات الممكنة والحلول الجريئة والشافية. في المنطق الأخلاقيّ، لا يمكن لمن التزم الصمت أمام التعدّيات التي طالت كيان الوطن، ولمن ساهم بإيصال الوطن إلى ما وصل إليه، أن يتكلّم عن التغيير إلّا إذا قام فعلاً بمسيرة توبة حقيقيّة قارئاً بتواضعٍ أخطاءه محدّداً بجرأة مسؤوليته ونادماً فعلاً على كلّ أفعاله ومستعدّاً لبناء وطن حرّ ومستقل استناداً إلى أسس وطنيّة وأخلاقية سليمة.
من يريد التغيير عليه أن يقتنع أنّ البلد ليس محاصصات يتقاسمها مع النافذين ويرمي البقايا للشعب الكادح.
من يريد التغيير لا يتفرّد بالوعود وكأنّ الأفرقاء الآخرين غير موجودين، ثمّ يتراجع عنها بحجّة أنّ هؤلاء يعرقلون مسيرته.
من يريد التغيير لا يشمت بالآخر ثمّ يعود ويسير معه لمصالح مبيّتة معروفة من الطرفين.
من يريد التغيير لا يلقي باللّوم دائماً على الآخر وكأنّه هو وحده الصالح والوطنيّ.
من يريد التغيير لا يمضي وقته بإطلاق السهام على الآخر بدل البحث معه عن حلول.
من يريد التغيير لا يسعى إلى خردقة الجميع كي يتنصّل من أيّ حلول، مستفيداً من الانشقاقات الموجودة مراقباً ومتفرّجاً.
من يريد التغيير لا يتلذّذ بتخدير الناس بوعود تبشّر بانفراجات لتقطيع الوقت، ليعود بعدها ويبدّد كلّ الآمال متحجّجاً بالأوضاع الإقليميّة والدوليّة والخلافات الداخليّة.
من يريد التغيير لا يتنصّل من مسؤولياته بإلقائها على الآخرين ليعود ويتقاسم معهم المصالح للحفاظ على وجوده، ولو على حساب وجود الوطن وشعبه.
من يريد التغيير يقبل بالرأي المختلف ويسعى إلى الحوار والمناقشة، ولا يتسلّط على الآخرين، ولا يلجأ إلى فرض فكره ومنطقه وقراره ضارباً عرض الحائط بكلّ حوار جدّيّ.
من يريد التغيير لا يقصي أحداً ولا يهمّش أحداً.
من يريد التغيير يرفض منطق "الرزق السايب".
من يريد التغيير ينفتح على الجميع ممن يريدون حقيقة بناء وطن المؤسّسات والمواطنة، فيغتنم كلّ الفرص المتاحة لإعلاء شأن الناس ولإيجاد الحلول لمصاعبهم ولإراحتهم وتأمين ما هو ضروريّ ونافع لهم.
من يريد التغيير يضحّي ويبذل ذاته من أجل أبناء وطنه، ولا يبحث دائماً كيف يمكنه إفراغ جيوبهم.
من يريد التغيير يعزّز المحبة لا الكراهية، الإلفة لا الضغينة، التعاون لا الإقصاء، والشراكة لا التفرقة.
فلنتعلّم كلّنا محبّة وطننا ولنعمل سويّاً لإعادة بنائه. أعتقد أنّنا كلّنا نريد وطننا حرّاً ومستقلّاً لكلّ أبنائه لا بالقول فقط بل بالفعل.