الهوية بمعنى الخصوصية الأيزيدية منغصات وتحولات:
تتعرض تغريبة الأيزيدي لبعض من منغصات الهوية الأيزيدية، وهي لا تقف بذلك عند سؤال المنتمى التقليدي "عرب أم أكراد. ص 155" وحسب، بل يتمرد شخوص في الرواية، على "الثوابت غير التبشيرية "، في الجانب الديني من تلك الهوية، وللقارئ أن يتأمل هنا في "الحب لا يعرف ديناً ولا طبقة ولا طائفة. ص 199"، كي يتلقف ـ من ثم ـ مدى التقهقر عن "تابوات" وخطوط حمر، لم يكن للأيزيدي قبلاً خوضها أو قبولها أو حتى قربانها.
لا يكتفي شخوص تغريبة صائب خدر، المبتلون باعتلالات "الهوية والانتماء"، بـ"المُغترَب والذات"، لتفسير "المعادلة المعقدة"، بل يضيفون مثقلين بتراكمات "خيبة ظن" مزمنة، أصّلها " الآخر" عبر أجيال، "الصدمة الداعشية"؛ كمعطى واقعي إلى كشكول العوامل، إذ ينتفضون جرّاء تداعيات تلك الصدمة المزلزلة، ففراس الشيخ ذا يحدد عائديته "لا لا ..أيزيديون فقط. ص 155"، ولا يقف فراس عند هذا الحد بل يتمرد على لاتبشيرية أيزيديته: "لا يجوز هناك في العراق ولكن هنا لا يوجد ما يمنع ارتباطنا وزواجنا. ص181" في معرض اعتراضه على مقولة سليمان: "أنت أيزيدي وهي مسلمةأالا تعلم أن هذا لا يجوز".
ثم إن سليمان المنعتق من استبداد مواطنيه العراقيين، ينفِّس بلا رقيب في مغتربة ألمانيا عن مكنوناته: "كل شيء هنا متوفر. كل شيء هنا أجمل من بلادنا ... . ص 156"، ورغم أن لمقولته هذه تتمة استدراكية، لكن وكأن لسان حاله ينشطر عن "الهوية العراقية" مادام العراق مفتقداً إلى قيم حقوقية ودستورية وإنسانية جادة وشفافة وحازمة لدى الممارسة الواقعية في إرساء الأمن والسكينة.
مقارنات أو... مفارقات:
ـ عمر وهبي والبغدادي "فِريقْ* "وخليفة:
يتساوى في التغريبة الخليفة الداعشي أبو بكر البغدادي، في الفعل الإبادي، وملاحقة الآمنين، وسبي الحرائر، والتهجير القهري، وإسلام الإكراه وتجنيد القاصرين، مع الفريق عمر وهبي باشا، قائد الحملة العثمانية على الأيزيديين أو يجاوزه في الهمجية.
الأيزيدي؛ بخاصة الشنكالي لا يزال، كلما سخط على أحدهم أو نفر منه أو تطير أو تهكم، نعته بـ: "فِريقْ !"، وإن احتدّ الموقف تخشّن ـ هو الشنكالي ـ في دعوته: "فِريقْ يدنس(ك)". جبروت الفريق عمر وهبي، لا يزال ماثلاً في الذاكرة الشعبية الأيزيدية إذاً، ويرى المقتفي، أن باشوية هذا السفاح، وسائر ألقابه ومسمياته وصفاته الشخصية والمهنية والاجتماعية، تنحت لصالح "رتبته"، بوصفها نبعاً دفّاقاً للشر. معلوم ـ هنا ـ أن الأيزيدي لم يكن لديه حينذاك إلمام بالمعنيين الاصطلاحي واللغوي، وجلي كذلك أن جهله بالعربية كان مطبقاً، لكنه تقصى رغم التي والتيا، فاشترع لنفسه معنى عرفياً ذهنياً خاصاً به، مستوحى من تجبر الفريق وهبي وطغيانه، وهكذا استحالت "فَريق" من صفة حميدة، إلى كناية عن شؤم أو سبة أو أهكومة في الذاكرة الجمعية للأيزيديين.
والسؤال الذي له أن يشتعل على ذهن من يلم بما لكلمة "فِريقْ" من مضامين عند الأيزيدي: كيف تصور "الذهنية الأيزيدية " في قادم الأزمان الخليفة أبو بكر البغدادي، أو تنقبض منه؟!.
ـ سليمان البعشيقي وغريغور سامسا:
سليمان البعشيقي؛ ذاك الأيزيدي الذي أفاق على وقوقة مفزعة عن هويتفه، متطيراً من يومه الثلاثاء، مُكهرَباً بصداع مُشقلِب، "لاحتسائه كمية كبيرة من العرق المحلي في جلسة الاثنين الليلية. ص 13"، فقلب بثمالة الرسائل المُجعجِعة، حتى استقرت عينه من الوارد عن صديقه زياد على: "أخذوا الموصل. ص 13 "، واستسلم هو سليمان من جديد، وهو يكتنز في لاوعيه الحدث الجلل، لنعاس غلّاب أقعاه، فتلقفته كوابيس مفزعة، إذ "وجد نفسه مقيداً راكعاً امام الفريق عمر وهبي باشا ذلك الباشا العثماني المتجبر. ص 14 "، يحيلنا بلا مواربة على رواية "المسخ" لفرانز كافكا، وبكلام أكثر دقة، على "جريجور سامسا" الذي "استيقظ ذات صباح فوجد نفسه قد تحول في فراشه إلى حشرة هائلة الحجم".
لكن ورغم أن سامسا يومئ إلى واقع مأسوي، قد يضحكنا للوهلة الأولى من سوداويته، إلا أن مصيبته تبدو فردية وتنحصر في شخصه، في حين أن هوة البعشيقي الإبادية تتجاوز حياته الشخصية وتلمح إلى حكاية قهر وإبادة جنس إنساني قديمة متجددة.
والفضول؛ فضول أي منا يمكن أن يباغت هنا صاحبه بـ:
أي المصائب أهون، هل الانمساخ إلى حشرة، أم الوقوع في براثن متطرفين من أمثال الدواعش؟.
ـ خالة حسنة أم ماري انطوانيت:
صورة الـ "خالة حسنة" تلك العجوز الطيبة المؤمنة والتي عزفت عن الزواج . ص 34 "، وزبانية داعش يغرقون في تعذيبها، تمهيداً لإعدامها وتفجير المكان/ المرقد بها، تضاهي في بساطتها وعفوية موقفها صورة ماري انطوانيت؛ زوجة ملك فرنسا لويس السادس عشر، وهي تعتذر لجلاد يقودها إلى المقصلة. قصة انطوانيت معروفة، أما الخالة الثمانينية فقد حاولت النهوض، فركلها داعشي بقدمه، و"صاح بصوت عال: عجوز كافرة. نظرت إليه وقالت له: الله يسامحك يا ابني. ص 86 ".
بيد أن الفارق كما يذكر بعض المصادر، أن انطوانيت لم تجادل قضاتها أو تدفع بنفي التهمة أو إنكارها، في حين أن الخالة حسنة التي بكّتها الداعشي المتزعم معنفاً: "الخرف واضح عليك يا امرأة يا كافرة أنت خرفة لا يوجد في شرعنا أي مسلم يعتقد بعلامات الشرك هذه .ص 87"، عارضت شططته: "هنالك مسلمون ليسوا في مثل أفكارك ونحن متعايشون معهم منذ مئات السنين ونعيش بسلام. ص 87".
*هكذا يلفظها الأيزيدي بكسر الفاء في شنكال
يتبع ..