لم يسلم القطاع التربويّ في لبنان في السنوات الأخيرة من رياح العاصفة الاقتصادية التي ضربت البلاد منذ سنوات عدّة. فقطاع التعليم شهد إضرابات للأساتذة في التعليم الرسميّ والخاصّ ما بين 30 و40 في المئة كلّ سنة، ما أدّى إلى خسارة كبيرة لدى الطلاب في التحصيل العلميّ عبر هذه السنوات وأفقدهم القدرة على إجراء امتحانات رسمية بصورة عادية.
في العام الدراسي الأخير حيث أنهى الطلاب الامتحانات الرسمية منذ أيام معدودة لم يشهد أيّ إقفال للمدارس بسبب الإضرابات، بل كان عاماً دراسيّاً طبيعيّاً، وكانت أيام التدريس الفعليّ كاملة بحسب وزارة التربية. ولكنّ الفرحة لم تكتمل، فالعمليات العسكرية بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان كانت كارثة ليس فقط على صعيد التربية بل على كلّ الأصعدة، فطلاب الشريط الحدوديّ حضروا إلى المدرسة يوماً واحداً قبل بدء العمليات العسكرية المتبادلة بين طرفيّ النزاع، فأُغلقت مدارسهم قسرًا، ومنهم من نزح بسبب الحرب والتحق بمدارس قريبة من أماكن النزوح، ومنهم ما زال صامداً حتى يومنا هذا في القرى الأمامية. لجأت وزارة التربية والتعليم العالي إلى اعتماد الدراسة عن بعد من أجل الطلاب الذين لم ينزحوا، وقامت الوزارة بالعمل على تأمين مقوّمات الدراسة عن بعد ولو بعد حين، ولكن كانت هناك مطالب لم تتأمن بسبب عدم تجاوب بعض المعنيّين إلّا بعد فوات الأوان، كوزارة الاتّصالات التي تأخّرت في تأمين باقات الإنترنت إلى الطلاب والأساتذة.
على الرغم من ذلك وبجهود وزير التربية عباس الحلبي والقوى السياسة التي وقفت إلى جانب طلّاب الشريط وأبرزهم النائب أشرف بيضون، وبزنود طلاب الشريط الذين تحدّوا الغارات العنيفة وأصرّوا على محاربة الإرهاب بالقلم والورقة رغم كلّ الأوجاع، نجح العام الدراسيّ وتمكّنت الوزارة بقيادة الحلبي من إجراء امتحانات رسمية بتوصيف جديد ورفع مستوى الشهادة. فأجريت الامتحانات الرسمية على مدار أيام معدودة بتغطية دولية من أجل سلامة الطلاب.
أخيراً، تغلّب الطلاب على صواريخ العدو الذي لا يرحم. فأحد الطلاب تعرّض ليلة الامتحانات لقصف إسرائيليّ بالقرب من منزله، وعلى الرغم من ذلك توجّه في اليوم التالي إلى مركز الامتحانات الرسميّة وتحدّى الأوجاع ليثبت أنّ طلاب الجنوب أقوياء ومتفوّقون. هل سيشهد العام الدراسيّ المقبل السيناريو نفسه؟