مع مرور الوقت يتمسّك الإنسان بذكرياته من أجل الاستمرار والشّعور بالانتماء والحنين إلى ماضيه. من منّا لا يلجأ الى ذلك المكان الآمن، المكان الّذي ينسينا الآلام ويبعدنا عن التّوتّر والقلق؟! ذلك المكان يبعث فينا الأمل والسّكينة، فتتجدّد مشاعر الأمان والاستقرار، وتشعر وكأنّ لفحة فرح تدخل قلبك فترتعش لتعود بك الذّكريات إلى ماضٍ، جميلًا كان أم حزينًا، له في داخلك طابع خاصّ.
ما أجمل الإيمان! وما أحلى الطّمأنينة وراحة النّفس! فإذا كانت تلك المشاعر الأكثر تأثيرًا في داخلي، ماذا عن جمال المكان الّذي تخضع به الرّوح الى الله الأحد وترتاح النّفس عند رؤيته؟ مزار الشّيخ منزلي، ملجئي عند الخوف، داعمي عند الفشل وشريكي في وحدتي.
بالرّغم من صغر حجمه وبساطة بنائه القديم، فعظمته، جلالته وفخامته تكمن في حكمته، وتتجلّى في مواعظه ومعانيه.
فوجوده خير لنا وخير دليل على أهمّيّة العيش البسيط والاكتفاء بالقليل والتّخلّي عن الصّفات غير المحبّذة والّتي لا ترضي الله تعالى كالبغض والطّمع والغرور والأنانيّة.
زيارتي مزار وليّ من لبنان، في رأس الدّيب – بعقلين - غيّرَ منظاري لهذة الحياة البسيطة. طالما ذهبت وجلست على سطح ذلك المقام، دعوت وتمنّيت، شكرت الله وحمدته على نعمه الكثيرة الّتي أنعمني ولا زال ينعمني بها في هذه الحياة، وإذ به يراسلني بواحدة من إحدى معجزاته، عن طريق الشّهب. لا أنسى تلك اللّيلة الّتي أمضيتها على سطح هذا المقام حين رأيت أربعة أشهب، اعتبرتها وكأنّها رسالة يحادثني عبرها الله. لا أزال، حتّى السّاعة، أتذكّر تلك المحادثة الفريدة من نوعها، تميّزت بعلاقة وطيدة بيني وبين الله تعالى.
مكان واسع في باطن الحصين، إنّها ذكرى غير كلّ الذّكريات، من الصّعب أن تُمحَى من مخيّلتي حتّى لو فقدت الذّاكرة. ذكرى فاقت لحظة حدوثها حاسّة النّظر ذروتها، ساهمت بجعلها لحظة مميّزة في مكان فريد وخلّاق.
فليت الزّمان يعود يومًا لأعيد، لو لمرّة واحدة فقط، تلك اللّحظة، مدقّقًا أكثر بتفاصيلها.