مهما حاول الإنسان أن يدفن ماضيه سيبقى حيّاً!
لن أنسى غرفة الأربعة جدران، غرفة العذاب النفسيّ والجسديّ، تلك التي سيطر عليها الظلام. أمضيت أربع سنين من عمري، أروي قصتي لقضبانها جالسة وحيدة، فكان يسكرني صدى أصوات أفكاري. أتمنى الموت لأنّني خسرت والدي، حبّي لنفسي وكرامتي.
انتظرت ذهاب الشمس كي تغفو على عرشها السماويّ وتصبح السماء مهرجان الألوان، حتى أخذتني الدروب نحو ذلك المنزل الذي يتغلغل بين الوديان. عند وصولي رحت أتامّل الطبيعة الخلابة، كي أنسى همومي وأوجاعي. ورحت أتعلّم من تلك الجبال الصمود ومن عناصرها الصبّر، فدخلت ذلك المنزل الصامت الحزين القديم، لا حياة ولا روح فيه. رائحته غريبة، سمعت صدى ضحكات عالية فبدأت أسير نحوها، فتفاجأت بمجموعة شبّان وشابات جالسين في غرفة صغيرة جدّاً لا يمكن الجلوس داخلها من كثرة رائحة الدخان. وعلى الطاولة بعض المواد البيضاء تشبه الطحين. أشكالها غريبة، ضحكاتها غريبة، حتى نظراتها لي غريبة وكأنّني كائن غريب. خرجت مسرعة من كثرة رائحة الدخان، شعرت بضيق نفس، ليس فقط من الدخان بل من الخوف. عند خروجي ألقى رجال الشرطة القبض عليّ ، بدأت بالصراخ فخرج الجميع على الفور. سيطر الخوف على الجميع وتوتر الجوّ، وبعد القبض عليهم وجدنا أنفسنا في مغفر البلدة. أُجبرنا على البقاء في المغفر لأنّ اللّيل حلّ وفي اليوم التالي سيبدأون التحقيق، كنت أصرخ كي يطلقوا صراحي لأنّني بريئة. كانت ليلة قاسية لم أرَ النوم فيها، وعند طلوع الصباح بدأ التحقيق والجميع اتهموني لكنّني لم ارتكب أيّ خطأ. انتهى التحقيق وأخذوني بطريقة وحشية إلى الزنزانة وفاض نهر الدموع من عينيّ، فتراءت لي نظرات والدي، وهذا كان يؤلمني أكثر من الضرب الذي كنت أتلقّاه من الشرطة. فجلست في غرفة، غرفة العذاب النفسيّ. فالجميع أنكرني، وأصبح لدي اسم جديد، لكنّه في الحقيقة ما هو إلّا مجرّد رقم. فرسموا صورة سيّئة عنّي، جميع الناس يتكلمون عنّي بطريقة توجع قلبي. كنت أتمنّى كلّ ليلة أن يكون ما حصل كابوساً واستفيق منه، فكنت مع كلّ شروق شمس جديدة أتمنى الموت، ولكنّي مازلت حيّة، وهذا لأنّني بريئة. وبعد مرور أربع سنوات خرجت وفي يدي دليل البراءة، لكي أثبت للجميع أنّني بريئة من هذه القضية.
لقد ذهبت إلى تلك الحديقة، كي أنسى وجعي وأرسم البسمة على وجهي. ولكن تساقطت المشاكل عليّ مثل المطر، رغم ذلك كنت على قدر المسؤولية وتعلّمت الصبّر عندما تحمّلت كلام الناس ونظراتهم الموجعة. كلّ شاب معرّض للإدمان على المخدرات، وهنالك الكثير منهم تعافوا ويريدون العودة للسير على طريق الخير والابتعاد عن كلّ شيء يسبّب الأذى لهم. لكنّ مجتمعنا لا يتقبّلهم ويدعمهم، بل على العكس يرفضهم ويسجنهم داخل خانة المهمّشين.