النهار

مقهى بلا عنوان
حجز الكرسيّ الأخير في المقهى كعادته، أشعل سيجارته وعرج بدخانها في فضائه الخاص. يا لها من صبيّة حسناء
A+   A-
حجز الكرسيّ الأخير في المقهى كعادته، أشعل سيجارته وعرج بدخانها في فضائه الخاص. يا لها من صبيّة حسناء، لكن يبدو أنّ الذباب عبث كثيرًا بها، لا تستحقّ مدينة أحلامي. ذلك المديون، ماذا لو أقرضته بعض المبلغ الذي خصّصته للأعمال الخيريّة، ومن قال له أن يقع في "تخبيصات" عينيه الجائعتين. أعتقد أنّ العجوز صاحب القبّعة والمعطف الأنيقين هو من الطبقة المخمليّة، يبدو في جعبته الكثير من أسرار الزمن وحكايات البشر، لِيغرب عن وجهي، سأشفق عليه وأترك ثرثراته حكايا تضيء ليالي قبره. تلك النادلة، ماذا لو أشفقتُ عليها وناولتها بخشيشًا مغريًا، وهل أنا أحمق لأُنفق شيئًا في طريق كعبها العالي ومساحيقها المُنفرة. وجوه ووجوه، لم يبقَ في المقهى سوى ذاك الكرسيّ الفارغ، وهل يُعقل أن أنسى أوّل رسوب لي والدمعة التي تحجّرت على النافذة المقابلة، هل أنسى أوّل نبضة قلب وما أتبعها من غصّة الفراق، هل أنسى يوم اتّهمني ذلك النادل الحقير بتخلّفي عندما لم أستطعْ التمييز بين اسم الطبق الإيطاليّ واسم فتاة تتلهّف وتتوعّد حضوري الدائم إلى المقهى، وأنا يومًا لم أرِها إلّا "اللازانيا" ذات المذاق الطيّب الذي ما لبثت أن التهمت بضع لقيْماته. على الكرسي ذاته، تذكّر ماضيه البائس والنتن، انطفأت سيجارته وهبط سقف دخانه إلى حيث بدأ. ما تبقّى من ثرثراته لملمتها النادلة من كوب قهوته العاشر صادحة: الوقت تأخّر، المقهى سيُقفل أبوابه، حاوِل أن تجد حلًّا لديونك المتراكمة عندنا، ولا تنسَ أن تُصبِح على خير أو بالأحرى على مخيّلة أفضل..


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium