النهار

فَليَنظُر كُلُّ أَحَدٍ كَيفَ يَبني
المصدر: النهار - الاب ايلي قنبر
فَليَنظُر كُلُّ أَحَدٍ كَيفَ يَبني
حين يُنشد إنسان ما أن يبني لنفسه بيتًا، إلى أين يتّجه أو إلى مَن بالأحرى؟
A+   A-
1. الأساسات.
حين يُنشد إنسان ما أن يبني لنفسه بيتًا، إلى أين يتّجه أو إلى مَن بالأحرى؟ يقول المثَل الشعبيّ: "أعطِ خبزك للخبّاز" ... وفي حالة بناء البيت، نتوجَّه إلى المِعمار لرسم تصوّرنا الأوّليّ أو رؤيتنا لِما نحلم به. ومن ثَمَّ يُناقشته معنا لوضع اللَّمسات الأخيرة التي تؤكِّد ما نريده. ليَخلص إلى رسم الخرائط التنفيذيّة، فالبدء بالحفر، فوضع الأساسات وارتفاع البنيان المنشود.
في حالة بناء الإنسان، ما الذي يحدث؟
بَدءًا، لا بدّ من توفّر كَيانَين بشريَّين مُتَمايِزَين[ أي من جنسَين مختلِفَين: امرأة ورجُل] لتَكوين إنسانٍ ما، أليسَ كذلك؟ هذان الكَيانَان ينبغي أن يكونا مُتوافِقَين حول رؤية ما لحياتهما المُشترَكة -قيَميّة وعمليّة- تلي أُلفة بين رجُل وامرأة يأتيان من مجتمعَين مختلفَين، وترفدهما شخصيّتان تلتقيَان حول بعض نقاط مشتركة [يمكن أن تزيد مع المَعشر والوقت ومن خلال التواصُل المُستَدام]. شخصان يُريدان العيش معًا، ويقوم انسجام ما بين طبعَيهما المُتميِّزَين.
أمّا مفتاح بناء الإنسان فَيكمُن في معرفة الذات: "أيُّها الإنسان إعرَف نفسَك بنفسِك" بحسَب المُعلِّم سُقراط.
في حالة بناء الإنسان-الفرد يبدو الأمر وافر التعقيد. فكيف يكون الأمر في حالة بناء مجتمع بشَريّ؟ يَضحي أعقد، ويتطلّب عناصر مركَّبة.
يتكوَّن مجتمع حين يتّفق فيه الأفراد والعائلات حول الحدّ الأدنى من الرؤية ومن المُشترَكات: ماذا يريدون من الحياة، كيف يفعلون لتحقيق المُراد على صعيد القيَم المُوجِّهة لهم، والمشاريع التي تلبّي طموحاتهم، والبُنيَات التحتيّة والفَوقيّة المُوائمة، والعناصر الفكريّة والروحيّة والنفسيّة والبُنْيَويّة الأُخرى التي تُحقِّقها. وعبر التواصل دومًا حول رؤيتهم المُتغيِّرة للحياة لأن كلّ شيءَ فينا ومِن حَولنا قابلٌ للتحوُّل[ الإنسان العارف (ال homo sapiens) خرج من أفريقيا وانتشر في الأرض، ما يعطي القارة الإفريقيّة أهميّة كبرى في إطلاق الإنسان وانتشاره عبر كوكب الأرض. ] والتغيُّر. وذلك ليَدوم وِفاقُهم وتقدَّمهم ونُموَّهم في "الحكمة والنعمة" أمام بعضهم بعضًا وأمام الإلَه الذي "يَعبدون بالروح والحقّ"(يوحنّا 4: 24).
2. فَإِنَّ عَمَلَ كُلِّ واحِدٍ سَيَكونُ بَيِّنًا
هناك قَول نَحتكم إليه عند الحاجة مُفاده: "عند الامتحان، يُكرَم المرءُ او يُهان". لكن هناك قَول يُشبه ميزان الذهَب، وليس فيه تجريح: "فَمَن بَقِيَ عَمَلُهُ ٱلَّذي بَناهُ عَلى ٱلأَساسِ فَسَيَنالُ أَجرًا، وَمَنِ ٱحتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخسَر. إِلاّ أَنَّهُ سَيُخَلَّصُ، وَلَكِن كَمَن يَمُرُّ في النّار"(1قورنتُس 3: 14-15).
ما هي العناصر المُكوِّنة لبناء حياة الإنسان ؟
فلنتقدَّم إلى العُمُق.
2. 1. الرُّكن الأوّل هو التربية التي تُشكِّل عصَب الحياة للشعوب وأصبحت استراتيجيَا قوميّة كُبرى. وهي عمليّة مُستَدامة نظرًا لِمدى أهمِّيَّتها وخطورتها في آن. إذ هيَ استثمار قَوميّ لِلمَوارد البشرية وعامل هامّ في التنمية الاقتصادية، "تُنشِّط المؤسَّسات الصناعيّة والإنتاجيّة من خلال تَطوير المعرفة وأساليب العمل والانتاج"[ راجع: عبد الله الرشدان، المدخل الى التربية والتعليم، المدخل، ص 45-47].
2. 2. ثُمّ تَسطير "مشروع حياة"[ فرديّ وجَماعيّ] يُشجِّع على التوافق والتواصل والإبداع والانتاج كرُكنٍ آخَرَ. لنجاحه، على كلّ فردٍ أن يُدوِّن يوميّاته وخواطره، بحيث يتذكّر في الوقت المناسِب ما يُمكن أن أن يساعده في فهم ذاته أو الآخَر، وما يدعمه في موقعٍ أو موقف. وعندما يودّ الزواج، يُجالس الشريك(ة) للاتّفاق على الرؤية المشترَكة لحياتهما الجديدة ومشاريعهما وخُطط العيش اليوميّ والمستقبليّ لهما ولأولادهما.
وفي كلّ ذلك علينا تقديم الأجوَد[ تُمثِّله علامة ISO] -لأنفسنا ولغَيرنا- الذي يُضاعف فرَص نجاح الذات والمجتمع في الوُصول إلى السعادة المُبتغاة والنُموّ الحقّ.
بناء الإنسان من أخطر وأعقَد المَهمّات، للفرد فيها الدور الأساس وللعائلة كما للدولة، المسؤولة عن العناية بتَعليم وصحّة مُواطناتها ومُواطنيها لتنمية قدُراتهم ومهاراتهم وإبداعهم فيَغدون مُقتَدرين، وبوُسعهم التميِيز والانتاج.
يتأثَر كلّ منّا، منذ الحمْل به بغَيره، ويؤثِّر فيه. حتّى إنّ ذلك ينعكس، بِلَا رَيب، "في الفنّ والأدب بوَجه الخصوص، والحضارة والحروب، وغيرها من سُلوكيّات الجماعات الإنسانيّة"، وحتّى من تأثير الأحوال البيئيّة المُحيطة به.
3. و"مَنِ ٱحتَرَقَ عَمَلُهُ فَسَيَخسَر. إِلاّ أَنَّهُ سَيُخَلَّصُ، وَلَكِن كَمَن يَمُرُّ في النّار".
ومن أسوأ ما نتأثّر به ونَبتَلي في عَيشنا هو الجَبريّة، التي يُعرِّفها هذا البيت من الشِعر:
"جئتُ لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت ..
ولقَد أبصرتُ قُدّامي طريقاً، فمَشَيت ..
وسأبقى ماشِيًا، إن شِئتُ هذا أَم أبَيت".
يُتقن قسم لا بأس به من البشر "تَبرِئة النفس وتَقديسها والعَيش بنفسيّة الضحيّة، وأنهم مظلومون مُضطهَدون"[ أحمد أبو رتيمه] لأنّ "الرّيح كانت مُعاكِسة". فالفرد يعزو الفشل في حياته إلى المجتمع والظروف، "والشعوب تُحمِّل حُكَّامها مسؤوليّة الفساد والاستبداد. والعرَب يُحمِّلون الغَرب مسؤوليّة خَيبَتهم وتأخُّرهم الحضاريّ، والغَرب بدَورهم يُحمِّلون العرَب مسؤوليّة الإرهاب والظلاميّة، ولا يُفكِّرون بالأسباب التي قادت إلى هذه النتائج. وهكذا فإنّ كلّ حزبٍ بِما لدَيهم فرِحون"[ المرجع السابق].
غير أنّ شخصًا عليمًا يُعلي الصوت أبدًا، مُوقِظًا إيَّاي/إيّانا:"يا قَليل(ي) ٱلإيمانِ، لِمَ شَكَكت(م)؟"(متّى 14: 33) فنَعي آنَئذٍ أنّه إن عشنا وِفق خَياراتنا "نتحرّر من أغلال السلبيّة والتَواكُل والتكاسُل، وتنطلق طاقاتنا باتّجاه التَغيير لبناء مستقبل أفضل". ونَنال التهنئة: "مَن بَقِيَ عَمَلُهُ ٱلَّذي بَناهُ عَلى ٱلأَساسِ فَسَيَنالُ أَجرًا"(1 قورنتُس 3: 14).
إذَن، نحن نَصنع حياتنا من نسيج أفكارنا. ولا يتغيّر واقعنا الراهن إلَّا إذا غيّرنا الأسباب: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ (الرعد:11)





اقرأ في النهار Premium